أنّه عندنا ظنّي ، فحاله حال الخبر الواحد ، وسيجيء حكمه أيضا.
إذا عرفت ما ذكرنا ، ظهر عليك أنّ الإجماعات التي اعتمد المصنّف عليها من أوّل كتابه إلى آخر كتابه ليست منحصرة في الضروريّات ، بل جلّها ليست بضروريّة بالبديهة ، فإمّا أنّه تغيّر رأيه ، أو غفل ، أو أراد من الضروري أمرا آخر ، أو أنّه حين حصول القطع له توهّم كونه ضروريّا ، والأوّل أظهر ، لأنّ اليقين يحصل من غير كونه ضروريّا ، كما ستعرف.
إذا تقرّر ما ذكرنا نقول : قد عرفت عدم إمكان إنكار حجيّة الإجماع. وأمّا ثبوت الإجماع فعند المحقّقين : أنّ كلّا من الضروري والنظري ثابت ، والظنّي حجّة.
وأنكر بعض جميع الإجماعات وحصر المدرك في الكتاب والسنّة (١) ، وبعض النظري ، دون الضروري (٢) ، وبعض الظنّي خاصة (٣) ، وبعد إبطال غير ما عليه المحقّقون ثبت طريقة المحقّقين.
أمّا بطلان قول منكر الكلّ ودعواه الحصر ، أمّا بالنسبة إلى العقل ، فلأنّ كثيرا من الأحكام تثبت من اليقينيّات ، مثل بطلان العقدين المتنافيين لاستحالة اجتماعهم ، والترجيح من غير مرجّح ، ومثل قبح تكليف الغافل والجاهل ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ، واستحالة اجتماع الأمر والنهي ، وغير ذلك ، لأنّ الحسن والقبح عندنا عقليّان ، فكلّ من العقل والشرع متطابقان يكشف كلّ منهما عن الآخر ، والآيات (٤) والأخبار المتواترة على كون العقل حجّة ، بعض منها مذكور في كتاب العقل والجهل من «الكافي» (٥).
__________________
(١) منهم صاحب الحدائق الناضرة : ٩ / ٣٦٢.
(٢) نظير صاحب معالم الدين في الاصول : ١٧٥.
(٣) الوافية : ١٥٥.
(٤) البقرة (٢) : ٤٤ و ٧٣ ، آل عمران (٣) : ١١٨.
(٥) راجع! الكافي : ١ / ١٠ كتاب العقل والجهل.