حقّ أم لا؟!
ثمّ بعد ذلك لاحظ إجماع أمثال هؤلاء كيف حاله؟ سيّما مع مؤيّدات كثيرة ، وقرائن وافرة ، مثل اتّفاقهم على حرمة تقليدهم ، ووجوب استفراغهم للوسع ، وبذل الجهد ، واستحصالهم جميع شرائط الاجتهاد ، ومنها القوّة القدسيّة التي اعتبروها ، ومراعاة جميع ماله دخل في درك الحقّ ، مثل التخلية ، ومراعاة المنطق مادّة وهيئة ، وغير ذلك ، وعدم اكتفائهم بالاجتهاد الأوّل ولا الثاني وهكذا.
ولذا تغيّر رأي أكثرهم ، بل وكلّهم مكرّرا ، بل كثيرا ، لأنّهم يلتزمون بالاستفراغ في الاجتهاد في كلّ نظر نظر ، ولكلّ نظر يلتزمون استفراغا مجدّدا ونهاية بذل جهد على حدة ، ولا يمكن ـ عادة ـ أن لا يتغيّر الرأي أصلا باستفراغ الوسع الجديد في الامور الاجتهادية ، إلّا من يغلب عليه التقليد ، أو خمود القريحة الشديدة.
هذا كلّه ؛ مضافا إلى شدّة اختلافهم في الفقه والفهم ، بل وفي اصول الفقه أيضا ، حتّى أنّهم في خبر الواحد اختلفوا اختلافا عظيما كثيرا ، منهم منع القول بحجيّته شرعا لأنّه ظنّ (١) ، وبعضهم عقلا أيضا لذلك (٢) ، وبعضهم استحال التعبّد به (٣) ، ومن قال بحجيّته ، اختلفوا اختلافا عظيما في أنواع ما هو حجّة ، والقائلون بكلّ نوع ، اختلفوا اختلافا عظيما في أشخاصه.
وكذا الحال في اختلافهم في دلالات الأخبار والآيات ، فشخص من ظنّيّ يكون حجّة عند الجميع معدوم قطعا ، إلّا قليل من دلالات الآيات ، مع تأمّل فيه أيضا ، لو لم يكن إجماع أو دليل عقلي.
__________________
(١) الذريعة إلى اصول الشريعة : ٢ / ٥٢٨ ، الجوامع الفقهيّة (غنية النزوع) : ٤٧٥.
(٢) كابن سريج والقفال والبصري ، كما ذكر في حاشية مبادئ الاصول : ٢٠٥.
(٣) لاحظ! الذريعة إلى اصول الشريعة : ٢ / ٥١٩ ، معارج الاصول : ١٤١ ، معالم الدين في الاصول : ١٨٩.