وبنفى السنة والنوم عن نفسه ، ولم تكن كل واحدة من الصفتين بمفردها مدحة الا باضافة صفة اخرى إليها ، ألا ترى انه سبحانه وتعالى قال : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) (١) فباضافة ادراكه هو تعالى للابصار إلى كونها لا تدركه ، صار مدحة لان الضماير والاكوان والظنون والاعتقادات لا تدركها الابصار ، وليس ذلك بمدحة لها ، لانها مع كونها مدركة ، لا تقدر هي ان تدرك غيرها ، فلو كانت تدرك هي شيئا مع كونها لا تدركها الابصار لكانت ممدوحة ، وانما مع كونها هي غير قادرة على الادراك ، لم يكن الادراك لها مما تمدح هي به لعدم ادراكها هي لغيرها.
وكذلك كما تمدح تعالى بنفى السنة والنوم عن نفسه ، ففى مخلوقاته ومصنوعاته من لا تأخذه سنة ولا نوم ، وهم الملائكة ، لقوله تعالى : (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (٢) فلم يكن نفى السنة والنوم بمفرده مدحة بل قال تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (٣) فبقوله سبحانه وتعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) تكملت المدة له ، ولم تحصل المدحة للملائكة بانفرادهم بترك السنة ، وتكلمة المدحة للقديم سبحانه وتعالى باجتماع نفى السنة والنوم إلى كونه لا اله الا هو الحى القيوم.
وكذلك حال امير المؤمنين عليه السلام وعمه العباس لانه قد اكتمل لأمير المؤمنين عليه السلام مع السبق في الايمان والصدق في الجهاد وبذل الوسع فيه ، ما ذكرناه من المناقب الموجبة للامامة وماله في غير ما ذكرناه مما قدمناه ومما يأتي له فيما بعد ان شاء الله تعالى فبذلك كملت له درجة الفضل لا بمجرد الايمان والجهاد ، وما ذكره الله سبحانه وتعالى في الاية مع العباس رضى الله عنه الا لتبيين فضله لمحل العباس لانه لو ذكر مع العباس في قرينة الافتخار من غير ذكر على عليه السلام فضل العباس عليه لمحله من رسول الله صلى الله عليه وآله ولموضع قول النبي صلى الله عليه وآله فيه : من الثناء والتبجيل ، فهو
__________________
(١) الانعام : ١٠٣.
(٢) الانبياء : ٢٠.
(٣) البقرة : ٢٥٥.