العقول ، وبلّغه عن الله كل رسول ـ إلى قول لا يقبله عقل ، فما المسيح وعزير إلا مخلوقان من مخلوقات الله الذي خلق هذا الكون العظيم ودبّر أمره ، ولا ينبغى لواحد من هذه المخلوقات أن يجعل لخالقه ومدبر شئونه ولدا من جنسه ، مع علمه بأنه كان يأكل ويشرب ويتعب ويتألم «وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ».
ثم فصل قوله قبل يضاهئون قول الذين كفروا من قبل بقوله :
(اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) أي اتخذ كل من اليهود والنصارى رؤساء الدين فيهم أربابا ، فاليهود اتخذوا أحبارهم وهم علماء الدين أربابا بما أعطوهم من حق التشريع فيهم وإطاعتهم فيه ، والنصارى اتخذوا قساوستهم ورهبانهم : أي عبادّهم الذين يخضع لهم العوام أربابا كذلك.
والرهبان عند النصارى أدنى طبقات رجال الدين ، فاتخاذهم أربابا يقتضى بالأولى أن يتخذوا من فوقهم من الأساقفة والمطارنة والبطاركة ، إذ الرهبان يخضعون لتشريع هؤلاء الرؤساء مدونا كان أو غير مدون ، والعوام يخضعون لتشريع الرهبان ولو غير مدون ، سواء قالوه تبعا لمن فوقهم أو من تلقاء أنفسهم لثقتهم بدينهم.
وانفرد النصارى باتخاذهم المسيح ربا وإلها يعبدونه ، ومنهم من يعبد أمه عبادة حقيقية ويصرحون بذلك ، وجميع الكاثوليك والأرثوذكس يعبدون تلاميذه ورسله وغيرهم من القديسين فى عرفهم ، ويتوسلون بهم ، ويتخذون لهم الصور والتماثيل فى كنائسهم ، ولكنهم لا يسمون هذا عبادة.
واليهود لم يقتصروا فى دينهم على أحكام التوراة ، بل أضافوا إليها من الشرائع ما سمعوه من رؤسائهم من قبل أن يدوّنوه فى المشنة والتّلمود ، ثم دونوه فكان هو الشرع العام وعليه العمل عندهم.
والنصارى غيّر رؤساؤهم جميع أحكام التوراة الدينية والدنيوية واستبدلوا بها شرائع أخرى فى العبادات والمعاملات جميعا ، وزادوا حق مغفرة الذنوب لمن شاءوا