ولا يزال الأمر كذلك فى هذا العصر ، وإن كانوا يريدون به الانتقام وشفاء ما فى الصدور من الأحقاد ، والتمتع بالمغانم من مال وعقار.
وبعد أن ذكر حكم ناقضى العهد حين سنوح الفرصة ـ قفى على ذلك بحكم من لا ثقة بعهودهم فقال :
(وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) أي وإن توقعت من قوم معاهدين خيانة ونكثا للعهد بوجود أمارات ظاهرة وقرائن تنذر بها ، فاقطع عليهم طريق الخيانة قبل وقوعها بأن تنبذ إليهم عهدهم وتنذرهم بأنك غير مقيّد به ولا مهتم بأمرهم ، بطريق واضح لاخداع فيه ولا استخفاء.
والحكمة فى هذا أن الإسلام لا يبيج الخيانة مطلقا.
وخلاصة ذلك ـ لا تجاربهم قبل أن تعلمهم أنك قد فسخت العهد الذي بينك وبينهم حتى تكون أنت وهم فى العلم بنقض العهد سواء ، فلا يتوهموا أنك نقضت العهد بنصب الحرب عليهم.
(إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) أي إن الخيانة مبغوضة بجميع ضروبها ، ولا وسيلة لاتقاء ضررها من الكفار إذا ظهرت أماراتها إلا بنبذ عهدهم جهرة.
روى البيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ثلاثة المسلم والكافر فيهن سواء ـ من عاهدته فوفّ بعهده مسلما كان أو كافرا ، فإنما العهد لله ، ومن كانت بينك وبينه رحم فصلها ، مسلما كان أو كافرا ، ومن ائتمنك على أمانة فأدّها إليه ، مسلما كان أو كافرا».
وبعد هذا أنذر أولئك الخائنين ما سيحل بهم من عقاب فقال : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا) أي ولا يظننّ الذين كفروا أنهم سبقونا ونجوا من عاقبة خيانتهم وشرهم ، ونحو الآية قوله : «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ».
(إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) أي إنهم لا يعجزون الله تعالى ولا يفوتونه بمكرهم وخيانتهم