يقتل منهم ، وينصركم عليهم حتى لا تقوم لهم قائمة بعد هذا ، فلا يعودون إلى قتالكم كما كان شأنهم بعد وقعة بدر ، ويشف صدوركم مما نالوا منكم من الأذى ولم تكونوا تستطيعون دفعه ـ وقد كان فى صدورهم من موجدة القهر والذل ما لا شفاء له إلا بهذا النصر عليهم ـ وهؤلاء المؤمنون هم الذين غدر بهم المشركون كخزاعة وغيرها ممن كانوا فى دار الشرك عاجزين عن الهجرة. وروى عن ابن عباس أنهم بطون من اليمن وسبأ قدموا إلى مكة وأسلموا فلقوا من أهلها أذى كثيرا ، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون إليه فقال صلى الله عليه وسلم «أبشروا فإن الفرج قريب».
(وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) الذي كان قد وقر فيها من غدر المشركين وظلمهم ، ومن طال تأذيه من خصمه ثم مكنه الله منه على أحسن الوجوه وأكملها فإنه يعظم سروره ويصير ذلك سببا لقوة النفس وصدق العزيمة.
وهذا الخزي والتعذيب الذي سينزله بهم لا يعمهم ، بل هو خاص بمن استحوذ عليهم الكفر ، فلم يبق فيهم استعداد للإيمان.
(وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي وأما غيرهم فسيتوب الله عليهم من شركهم ويوفقهم للإيمان ويتقبله منهم ، وهو العليم بما لا تعلمون من استعدادهم فى الحال والاستقبال ، الحكيم فيما يشرع لهم من الأحكام لإقامة دينه وإظهاره على الدين كله.
ومن سننه تعالى تفاوت البشر فى العقائد والأخلاق والأعمال ، وقابلية التحول من حال إلى حال بما يطرأ عليهم من الأسباب والمؤثرات بحسب المقادير الإلهية الثابتة بآيات التنزيل ونظم الاجتماع.
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٦))