مرة أخرى ، فإنها ليست إلا أحد الأسباب المادية الكثيرة المؤدية للنصر.
ومعنى قوله : فلم تغن عنكم شيئا إلخ ـ أن تلك الكثرة التي غرتكم لم تكن بكافية لانتصاركم ولم تدفع عنكم شيئا من عار الغلب والهزيمة ، وضاقت عليكم الأرض على رحبها وسعتها ، فلم تجدوا وسيلة للنجاة إلا الهرب والفرار من العدو فولّيتموه ظهوركم منهزمين لا تلوون على شىء.
(ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) أي ثم أفرغ الله سكينة من لدنه على رسوله (بعد أن عرض له الأسف والحزن على أصحابه حين وقوع الهزيمة لهم) فما ازداد إلا ثباتا وشجاعة وإقداما ـ وعلى المؤمنين الذين ثبتوا معه وأحاطوا ببغلته الشهباء ـ وعلى سائر المؤمنين الصادقين فأذهب روعهم وأزال حيرتهم وأعاد إليهم ما كان قد زلزل من ثباتهم وشجاعتهم ، وخصوصا حين سمعوا نداءه ونداء عمه العباس إذ دعاهم بأمره ـ وأنزل مع هذه السكينة جنودا من الملائكة لم تروها بأبصاركم ، بل وجدتم أثرها فى قلوبكم بما عاد إليها من رباطة الجأش وشدة البأس ـ وعذب الذين كفروا بالقتل والسبي والأسر ، وذلك هو جزاء الكافرين فى الدنيا ما داموا يستحبون الكفر على الإيمان ويعادون أهله ويقاتلونهم عليه.
ونحو الآية قوله : «قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ» (ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي ثم يتوب الله بعد هذا التعذيب الذي يكون فى الدنيا على من يشاء من الكافرين فيهديهم إلى الإسلام إذا لم تحط بهم خطيئات الشرك وخرافاته ، ولم يختم على قلوبهم بالإصرار على الجحود والتكذيب ، وهو غفور لهم يتجاوز عما سلف منهم من الكفر والمعاصي ، رحيم بهم يتفضل عليهم ويثيبهم بالأجر والجزاء.