ثم الحب الذي عليه المعول فى الغذاء فى جميع البلاد ، فهو أتم نعمة لموافقته لمزاج الإنسان ، ومن ثم خلقه الله فى سائر البلاد ، وجعل النخل فى البلاد الحارة دون غيرها.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فبأى النعم المتقدمة يا معشر الثقلين من الجن والإنس تكذبان؟ والمراد من تكذيب آلائه كفرهم بربهم ، لأن إشراكهم آلهتهم به فى العبادة دليل على كفرانهم بها ، إذ من حق النعم أن تشكر ، والشكر إنما يكون بعبادة من أسداها إليهم.
والتعبير (بالرب) للاشارة إلى أنها نعم صادرة من المالك المربّى لهما الذي ينميهما أجساما وعقولا ، فهو الحقيق بالحمد والشكر على ما أولى وأنعم ، والعبادة له دون سواه.
وقد كررت هذه الآية فى واحد وثلاثين موضعا من السورة تقريرا للنعمة ، وتأكيدا للتذكير بها ، فتراه عدّد نعمه على الخلق وفصل بين كل نعمتين بما يذكرهم ويقررهم بها.
وهذا أسلوب كثير الاستعمال فى كلام العرب ، فترى الرجل يقول لمن أحسن إليه بنعمة وهو يكفر بها : ألم تكن فقيرا فأغنيتك ، أفتنكر هذا؟ ألم تكن عريانا فكسوتك؟
أفتنكر هذا ، ألم تكن خاملا فرفعت قدرك ، أفتنكر هذا؟.
فكأنه سبحانه قال : ألم أخلق الإنسان. وأعلمه البيان. وأجعل الشمس والقمر بحسبان. وأنوّع الشجر. وأبدع الثمر. وأعممها فى البدو والحضر ، لمن آمن بي وكفر.
وأسقيها حينا بالمطر ، وآونة بالجداول والنّهر. أفتنكران ذلك أيها الإنس والجن؟.
وقد جاء مثل هذا فى أشعارهم : انظر قول مهلهل يرثى أخاه كليبا :
على أن ليس عدلا من كليب |
|
إذا ما ضيم جيران المجير |
على أن ليس عدلا من كليب |
|
إذا خرجت مخبّأة الخدور |
على أن ليس عدلا من كليب |
|
إذا خيف المخوف من الثغور |
على أن ليس عدلا من كليب |
|
إذا ما خار جأش المستجير |