وبعد أن أنّبهم على سخف عقولهم ، وسفاهة أحلامهم ، بعبادتهم الأصنام التي كانوا يزعمون أنها هياكل للملائكة ، والملائكة بنات الله ـ وبخهم على نسبة البنات إليه سبحانه وهم لا يرضونها لأنفسهم فقال :
(أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى؟) أي أتجعلون له ولدا وتجعلون هذا الولد أنثى؟ وتختارون لأنفسكم الذكران ، على علم منكم أن البنات ناقصات والبنين كاملون ، والله كامل العظمة ، فكيف تنسبون إليه الناقص ، وأنتم على نقصكم تنسبون إلى أنفسكم الكامل.
(تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) أي تلك قسمة جائرة غير مستوية ، ناقصة غير تامة ، لأنكم جعلتم لربكم ما تكرهونه لأنفسكم ، وآثرتم أنفسكم بما ترضون لها.
ثم أنكر عليهم ما ابتدعوه من الكذب والافتراء فى عبادة الأصنام وتسميتها آلهة فقال :
(إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) أي إن هذه الأصنام التي تسمونها آلهة ـ هى أسماء فحسب وليس لها مسميات هى آلهة البتة ، كما تزعمون وتعتقدون أنها تستحق أن يعكف على عبادتها وتقديم القرابين إليها ، وليس لكم من حجة ولا برهان تؤيدون به ما تقولون ، وإنما قلّد فيها الآخر الأول ، وتبع فى ذلك الأبناء الآباء.
ولا يخفى ما فى ذلك من التحقير ، كما تقول : ما هو إلا اسم إذا لم يكن مشتملا على صفة معتبرة لها شأن وقدر.
ونحو الآية قوله تعالى «ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً» الآية.
ثم أكد ما سلف بقوله :
(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ) أي ليس لهم مستند إلا حسن ظنهم بآبائهم الذين سلكوا هذا المسلك الباطل قبلهم ، وإلا حظوظ نفوسهم فى رياستهم وتعظيم آبائهم الأقدمين.