بينهم مودة ، والرهبانية : ترهبهم فى الجبال فارّين بدينهم من الفتنة ، مخلصين أنفسهم للعبادة ، محتملين المشاق من الخلوة واللباس الخشن والاعتزال عن النساء والتعبد فى الغيران والكهوف ، وقوله ابتدعوها : استحدثوها ولم تكن فى دينهم ، ابتغاء رضوان الله : أي طلبا لرضاه ومحبته ، فما رعوها : أي ما حافظوا عليها.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر أنه أرسل الرسل بالبينات والمعجزات ، وأنه أنزل الميزان والحديد ، وأمر الخلق بأن يقوموا بنصرة رسله ـ أتبع ذلك ببيان ما أنعم به على أنبيائه من النعم الجسام ، فذكر أنه شرّف نوحا وإبراهيم عليهما السلام بالرسالة ، ثم جعل فى ذريتهما النبوة والكتاب ، فما جاء أحد بعدهما بالنبوة إلا كان من سلائلهما.
الإيضاح
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) أي ولقد بعثنا نوحا إلى طائفة من خلقنا ، ثم بعثنا إبراهيم من بعده لقوم آخرين ، ولم نرسل بعدهما رسلا بشرائع إلا من ذريتهما.
ثم بين أن هذه الذرية افترقت فرقتين فقال :
(فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) أي فمن ذريتهما مهتد إلى الحق مستبصر ، وكثير منهم ضلّال خارجون عن طاعة الله ذاهبون إلى طاعة الشيطان ، مدسّون أنفسهم باجتراح الآثام.
وفى الآية إيماء إلى أنهم خرجوا عن الطريق المستقيم بعد أن تمكنوا من الوصول إليه ، وبعد أن عرفوه حق المعرفة ، وهذا أبلغ فى الذم وأشد فى الاستهجان لعملهم.
(ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا) أي ثم بعثنا بعدهم رسولا بعد رسول على توالى العصور ولأيام.