ثم خص من أولئك الرسل عيسى لشهرة شريعته فى عصر التنزيل ولوجود أتباعه فى جزيرة العرب وغيرها فقال :
(وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ) أي ثم أرسلنا رسولا بعد رسول حتى انتهى الأمر إلى عيسى عليه السلام ، وأعطيناه الإنجيل الذي أوحيناه إليه ، وفيه شريعته ووصاياه ، وقد جاء ما فيه مكملا لما فى التوراة ومخففا بعض أحكامها التي شرعت تغليظا على بنى إسرائيل ، لنقضهم العهد والميثاق كما جاء فى قوله : «فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ».
ثم بين صفات أتباع عيسى فقال :
(وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) أي إن أتباعه الذين ساروا على نهجه وشريعته اتصفوا بما يأتى :
(١) الرأفة بين بعضهم وبعض ، فيدفعون الشر ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ، ويصلحون ما فسد من أمورهم.
(٢) الرحمة فيجلب بعضهم الخير لبعض كما قال فى حق أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم : «رُحَماءُ بَيْنَهُمْ».
(٣) الرهبانية المبتدعة ، فقد انقطعوا عن الناس فى الفلوات والصوامع معتزلين الخلق وحرّموا على أنفسهم النساء ولبسوا الملابس الخشنة ، تبتلا إلى الله وإخباتا له.
(ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) أي ما فرضنا عليهم هذه الرهبانية ، ولكنهم استحدثوها طلبا لمرضاة الله والزلفى إليه.
ثم ذكر أنهم ما حافظوا عليها كما قال :
(فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) أي فما حافظوا على هذه الرهبانية المبتدعة ، وما قاموا