الفحش والأذى ، ما رآه (١) ملاحيا ولا مماريا أحدا حتى سمّاه قومه : الأمين ، لما جمع الله من الأمور الصالحة فيه فلقد كان الغالب عليه بمكة الأمين ، وكان أبو طالب يحفظه ، ويحوطه ، ويعضده ، وينصره إلى أن مات.
أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن النّقّور ، أنا أبو طاهر محمد بن عبد الرّحمن المخلّص ، أنا رضوان بن أحمد بن جالينوس ، قال : نا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، نا يونس بن بكير الشّيباني ، قال : قال ابن إسحاق : وكان (٢) أبو طالب : هو الذي إليه (٣) أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد جده ، فكان إليه ومعه. ثم إن أبا طالب خرج في ركب إلى الشام تاجرا ، فلما تهيأ للرحيل وأجمع السير هبّ (٤) له رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخذ بزمام ناقته وقال : «يا عم إلى من تكلني؟ لا أب لي ولا أم لي» [٥١١] فرق له أبو طالب وقال : والله لأخرجن به معي ولا يفارقني ولا أفارقه أبدا أو كما قال. قال : فخرج به معه فلما نزل الركب (٥) بصرى من أرض الشام وبها (٦) راهب يقال له : بحيرا (٧) في صومعة له ، وكان أعلم أهل النصرانية ، ولم يزل في تلك الصومعة قط راهب إليه يصير علمهم من كتاب فيهم فيما يزعمون يتوارثونه كابرا عن كابر (٨) فلما نزلوا ذلك العام ببحيرا وكانوا كثيرا مما (٩) يمرون به قبل ذلك لا يكلمهم ولا يعرض لهم ، حتى إذا كان ذلك العام نزلوا به قريبا من صومعته ، فصنع لهم طعاما كثيرا وذلك ـ فيما يزعمون ـ عن شيء رآه وهو في صومعته [يزعمون أنه رأى
__________________
(١) في ابن سعد : ما رثي.
(٢) بالأصل وخع : «وقال» خطأ ، والصواب عن سيرة ابن هشام ١ / ١٩٠ ودلائل البيهقي ٢ / ٢٧ ، والخبر فيهما نقلا عن ابن إسحاق.
(٣) في ابن هشام : «يلي» ومثلها في البيهقي.
(٤) كذا بالأصل وخع ، وفي سيرة ابن هشام : «صب به» وصب به : مال إليه. وفي دلائل البيهقي : ضب به ، بالضاد المعجمة ، بمعنى تعلق به وامتسك ، وتروى أيضا : ضبث به بمعنى لزمه. وكله جائز.
(٥) بالأصل : المركب ، والمثبت عن خع وابن هشام والبيهقي.
(٦) بالأصل وخع : «وتهيأ» والمثبت عن ابن هشام ودلائل البيهقي.
(٧) بحيرا ، بالفتح ثم كسر الحاء المهملة آخره راء مقصورا ، وقيل ممدودا.
(٨) بالأصل وخع : «كانوا عن كائن» والمثبت عن ابن هشام ودلائل البيهقي.
(٩) كذا بالأصل وخع والبيهقي ، وفي ابن هشام : «ما».