أتوه (١) وفود العرب ، وأشرافها وشعراؤها ، لتهنئه وتذكر ما كان من بلائه وطلبه بثأر قومه وأتاه وفد قريش منهم : عبد المطلب بن هاشم ، وأمية بن عبد شمس ، وعبد الله بن جدعان ، وأسد بن عبد العزّى ، ووهب بن عبد مناف ، وقصيّ بن عبد الدار. فدخل عليه آذنه وهو في رأس قصر يقال له غمدان (٢) وهو الذي يقول فيه أمية بن أبي الصلت الثقفي :
اشرب هنيا (٣) عليك التاج مرتفقا (٤) |
|
في رأس غمدان (٢) دار منك محلالا |
واشرب هنيا (٣) فقد شالت (٥) نعامتهم |
|
وأسبل اليوم في برديك إسبالا (٦) |
تلك المكارم لا قعبان من لبن |
|
شيبا بماء فعادا ـ بعد ـ أبوالا (٧)(٨) |
قال : والملك متضمخ بالعبير (٩) يلصف (١٠) وبيص المسك في مفرق رأسه ، وعليه بردان أخضران مرتديا بأحدهما متّزرا بالآخر ، سيفه بين يديه ، وعن يمينه وشماله الملوك والمقاول (١١) فأخبر بمكانهم فأذن لهم ، فدخلوا عليه ودنا منه عبد المطلب فاستأذنه في الكلام فقال : إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد أذنّا لك.
__________________
(١) كذا بالأصل والبيهقي ، وفي دلائل أبي نعيم : أتته.
(٢) بالأصل وخع «عمدان» والصواب عن البيهقي.
(٣) في ابن هشام : هنيئا.
(٤) بالأصل وخع : «من يقفا» والمثبت عن البيهقي ، وقد سبقت الرواية.
(٥) في البيهقي وابن هشام وخع «شالت» وبالأصل «شاكت».
شالت نعامتهم أي أهلكوا ، والنعامة ؛ باطن القدم ، يقال : شالت نعامة الرجل إذا مات. وشالت : ارتفعت ، فالذي يهلك ترتفع رجلاه وينتكس رأسه ، فتظهر نعامة قدمه.
(٦) الإسبال : إرخاء الثوب ، وهو فعل المختال المعجب بنفسه.
(٧) القعبان تثنية قعب ، وهو قدح يحلب فيه. وشيبا : خلطا ومزجا.
(٨) قال ابن هشام السيرة ١ / ٦٨ ـ ٦٩ بعد ذكره الأبيات : «هذا ما صح له مما روى ابن إسحاق منها إلّا آخرها بيتا قوله : تلك المكارم ... فإنه للنابغة الجعدي واسمه حبان بن عبد الله بن قيس ، أحد بني جعدة».
ومن جعله للنابغة فقد رواه في قصيدته يهجو بها رجلا من قشير يقال له (ابن الحيا) ومطلعها :
أما ترى ظلل الأيام قد حسرت |
|
عني وشمرت ذيالا كان ذيالا |
انظر الأغاني ط دار الكتب ٥ / ١٣ ـ ١٥.
(٩) بالأصل وخع : «متضخم العنبر» والمثبت عن الدلائل.
(١٠) عن البيهقي ، وبالأصل وخع : يلصك يلوح.
(١١) المقاول جمع مقول ، المقول ويقال القيل : الملك من ملوك حمير (اللسان : قول).