حكيمة (١) من أهلها فقالت لها : والله لئن صدقت رؤياك ليخرجن من بطنك غلام يعلو ذكره بين السّماء والأرض ، وكان هذا الحي من بني سعد بن هوازن ينتابون نساء أهل مكة فيحضنون أولادهم ، وينتفعون بخيرهم ، وإن أمّي ولدتني في العام الذي قدموا فيه ، وهلك (٢) والدي فكنت يتيما في حجر عمي أبي طالب ، فأقبل النسوان يتدافعنني ويقلن : ضرع صغير ، لا أب له ، فما عسينا أن ننتفع به من خيره؟ وكانت فيهن امرأة يقال لها أم كبشة ابنة الحارث فقالت : والله لا أنصرف عامي هذا خائبة ، فأخذتني وألقتني على صدرها ، فدرّ لبنها فحضنتني ، فلما بلغ ذلك عمي أبا طالب أقطعها إبلا ومقطعات من الثياب ، ولم يبق عمّ من عمومتي إلّا أقطعها وكساها ، فلما بلغ ذلك النسوان أقبلن إليها فقلن : والله يا أم كبشة لو علمنا بركة تكون هكذا ما سبقتنا إليه.
قال : ثم ترعرعت وكبرت ، وقد بغضت إليّ أصنام قريش والعرب فلا أقربها ولا آتيها ، حتى إذا كان بعد زمين حتى خرجت بين أتراب لي من العرب نتقاذف بالأجلّة ـ قال أبو عبد الملك : يعني البعر (٣) ـ فإذا بثلاثة نفر مقبلين معهم طشت من ذهب مملوءا ثلجا ، فقبضوا عليّ من بين الغلمان فلما رأى ذلك الغلمان انطلقوا هرابا ، ثم رجعوا فقالوا : يا معشر النفر إن هذا الغلام ليس منا ، ولا من العرب وإنه لابن سيد القريش وبيضة المجد ، وما من حيّ من أحياء العرب إلّا لا يلته (٤) في رقابهم نعمة مجلّلة ، ولا يصنعوا بقتل هذا الغلام شيئا ، فإن كنتم لا بدّ قاتليه فخذوا أحدنا فاقتلوه مكانه. قال : فأبوا أن يأخذوا مني [فدية](٥) فانطلقوا وأسلموني في أيديهم ، فأخذني أحدهم فأضجعني إضجاعا رفيقا فشقّ ما بين صدري (٦) فصدعه فاستخرج منه مضغة سوداء منتنة فقذفها ، ثم غسله في تلك الطشت بذلك الثلج ثم ردّه ، ثم أقبل الثاني فوضع يده على صدري إلى عانتي فالتأم ذلك كله ، ثم أقبل الثالث وفي يده خاتم له شعاع فوضعه بين كتفي وثديي
__________________
(١) بالأصل وخع : «حليمة» والمثبت عن المختصر.
(٢) عن المختصر وبالأصل وخع : أهلك.
(٣) كذا بالأصل وخع والمختصر «الأجلة» وفي اللسان (جلل) : الجلّة والجلّة : البعر.
(٤) في المختصر : لآبائه.
(٥) بياض بالأصل وخع قدر كلمة ، واستدركت اللفظة عن المختصر.
(٦) ثمة سقط في الكلام بالأصل وخع ، والعبارة في المختصر : ما بين صدري إلى عانتي (في الطبري : إلى منتهى عانتي). ثم استخرج قلبي فصدعه.