قد خولف بها فعُريَت عن التاء للمؤنّث وحليت بها للمذكّر ، وقد قيل في ذلك وجوه.
وقال نجم الأئمّة : والأقرب عندي أن يقال : إنّ ما فوق الاثنين من العدد موضوع على التأنيث في أصل وضعه ، وأعني بأصل وضعه ، أن يعبّر به عن مطلق العدد ، نحو : ستة ضعف ثلاثة ، وأربعه نصف ثمانية ، قبل أن يستعمل بمعنى المعدود كما في : جاءني ثلاثة رجال ، فلا يقال في مطلق العدد : ستّ ضعف ثلاث ، وإنّما وضع على التأنيث في الأصل ، لأنّ كلّ جمع إنّما يصير مؤنّثاً في كلامهم بسبب كونه على عدد فوق الاثنين ، فإذا صار المذكر في نحو : « رجال » مؤنّثاً بسبب عروض هذا العرض ; فتأنيث العرض في نفسه أولى ، وأمّا كون العدد عرضاً ، فلأنّه من باب الكم وهو عرض على ما ذكر في موضعه (١).
ثمّ إنّه غلب على ألفاظ العدد التعبير بها عن المعدود ، فطرأ عليها إذن معنى الوصف الذي هو معنى الأسماء المشتقة ، إذ صار معنى قولك : جاءني رجال ثلاثة ، رجال معدودة بهذا العدد ، لكنّه مع غلبة معنى الوصف عليها ، كان استعمالها غير تابعة لموصوفها أغلب ، فاستعمال نحو « ثلاثة رجال » أغلب من استعمال « رجال ثلاثة » وإن كان الثاني أيضاً كثير الاستعمال ؛ وذلك لأجل مراعاة أصل هذه الألفاظ في الجمود ، ولقصد التخفيف أيضاً ، إذ بإضافتها إلى معدوداتها يحصل التخفيف بحذف التنوين.
ثمّ قال : فنقول : بَقِيَت الأعداد إذا كانت صفة لجمع المذكّر على تأنيثها الموضوعة هي عليه وذلك من الثلاثة إلى العشرة ؛ لكونها صفة الجمع والجمع مؤنث ، بخلاف لفظ الواحد والاثنين فإنّهما لا يقعان صفة للجمع فقيل : رجال
__________________
١ ـ « ذكر في موضعه » من المصدر ، في الأصل : « يذكر في غير هذا الفن ».