الْمُحْسِنِينَ) لأن إضاعة الأجر تكون للعجز أو للجهل أو للبخل والكل ممتنع في حقه تعالى. (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) من أجر الدنيا أو خير في نفسه. وفي قوله المحسنين وقوله : (لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) إشارة إلى أن يوسف كان في الزمان السابق من المحسنين ومن المتقين ففيه دلالة على نزاهة يوسف عن كل سوء. قال سفيان بن عيينة : المؤمن يثاب على حسناته في الدنيا والآخرة ، والفاجر يعجل له الخير في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق. يروى أن الملك توجه وختمه بخاتمه وردّاه بسيفه ووضع له سريرا من ذهب مكللا بالدر والياقوت فقال له : أما السرير فأشدّ به ملكك ، وأما الخاتم فأدبر به أمرك ، وأما التاج فليس من لباسي ولا لباس آبائي. فقال : قد وضعته إجلالا لك وإقرارا بفضلك. فجلس على السرير ودانت له الملوك وفوّض الملك إليه أمره وعزل قطفير ، ثم مات بعد فزوّجه الملك امرأته فلما دخل عليها قال : أليس هذا خيرا مما طلبت فوجدها عذراء فولدت له ولدين : إفرائيم وميشا. وأقام العدل بمصر وأسلم على يديه الملك وكثير من الناس وباع من أهل مصر في سني القحط الطعام بالدنانير والدراهم في السنة الأولى حتى لم يبق معهم شيء منها ، ثم بالحلي والجواهر ثم بالدواب ، ثم بالضياع والعقار ثم برقابهم حتى استرقهم جميعا فقالوا : والله ما رأينا كاليوم ملكا أجل ولا أعظم منه فقال للملك : كيف رأيت صنع الله بي فيما خوّلني مما ترى؟ قال : الرأي رأيك. قال : فإني أشهد الله وأشهدك أني قد أعتقت أهل مصر عن آخرهم ورددت عليهم أملاكهم ، وكان لا يبيع من أحد من الممتارين أكثر من حمل بعير تقسيطا بين الناس. وأصاب أرض كنعان وبلاد الشام نحو ما أصاب مصر فأرسل يعقوب بنيه ليمتاروا فذلك قوله سبحانه : (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) لم يعرفوه لأن طول العهد ينسي ولاعتقادهم أنه قد هلك أو لذهابه عن أوهامهم حين فارقوه مبيعا بدراهم معدودة ثم رأوه ملكا مهيبا جالسا على السرير في زي الفراعنة ، ويحتمل أن يكون بينه وبينهم مسافة وما وقفوا إلا حيث يقف طلاب الحوائج. وإنما عرفهم لأن أثر تغيير الهيئات عليهم كان أقل لأنه فارقهم وهم رجال ولم يغيروا زيهم عما هو عادتهم ، ولأن همته كانت معقودة بهم وبمعرفتهم ، ويحتمل أن يكون عرفهم بالوحي. وعن الحسن ما عرفهم حتى تعرفوا له. (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) هو ما يحتاج إليه في كل باب ومنه جهاز العروس والميت. قال الليث : جهزت القوم تجهيزا إذا تكلفت لهم جهازا للسفر. قال : وسمعت أهل البصرة يحكون الجهاز بالكسر. وقال الأزهري : القراء كلهم على فتح الجيم والكسر لغة جيدة (قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) قال العلماء : لا بد من كلام يجر هذا الكلام فروي أنه