ثم وقعت إلى ابنته عمة يوسف فحضنت يوسف إلى أن شب فأراد يعقوب أن ينتزعه منها وكانت تحبه حبا شديدا فشدت المنطقة على يوسف تحت ثيابه ثم زعمت أنه قد سرقها ، وكان في شرعهم استرقاق السارق فتوسلت بهذه الحيلة إلى إمساكه عند نفسها. وقيل : إنهم كذبوا عليه وبهتوه حسدا وغيظا. (فَأَسَرَّها يُوسُفُ) قال الزجاج وغيره : الضمير يعود إلى الكلمة أو الجملة كأنه قيل : فأسر الجملة في نفسه ولم يبدها لهم ، ثم فسرها بقوله : (قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) والمعنى أنه قال هذه الجملة على سبيل الخفية. وطعن الفارسي في هذا الوجه فقال : إن هذا النوع من الإضمار على شريطة التفسير غير مستعمل ، والحق أن القرآن حجة على غيره. وقيل : الضمير عائد إلى الإجابة أي أسر يوسف إجابتهم في ذلك الوقت إلى وقت آخر. وقيل : يعود إلى المقالة أو السرقة أي لم يبين يوسف أن تلك السرقة كيف وقعت وأنه ليس فيها ما يوجب الذم والعار. وعن ابن عباس أنه قال : عوقب يوسف ثلاث مرات : عوقب بالحبس لأجل همه بها ، وبالحبس الطويل لقوله : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) وبقولهم : (فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) لقوله : (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) ومعنى (شَرٌّ مَكاناً) شر منزلة لأنكم سرقتم أخاكم من أبيكم على التحقيق وقلتم أكله الذئب (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ) المراد أنه يعلم أني لست بسارق في التحقيق ولا أخي ، أو الله أعلم بأن الذي وصفتموه هل يوجب ذما أم لا.
قال ابن عباس : لما قال يوسف هذا القول غضب يهوذا وكان إذا غضب وصاح لم تسمع صوته حامل إلا وضعت وقام شعره على جلده فلا يسكن حتى يضع بعض آل يعقوب يده عليه. فقال لبعض إخوته : اكفوني أسواق أهل مصر وأنا أكفيكم الملك فقال يوسف لابن صغير له : مسه فمسه فذهب غضبه وهم أن يصيح فركض يوسف رجله على الأرض ليريه أنه شديد وجذبه فسقط فعند ذلك (قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً) في السن أو في القدر وهو أحب إليه منا (فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ) استعبادا أو رهنا حتى نبعث الفداء إليك فلعل العفو أو الفداء كان جائزا أيضا عندهم (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) لو فعلت ذلك أو من المحسنين إلينا بأنواع الكرامة ورد البضاعة إلى رحالنا أو أرادوا الإحسان إلى أهل مصر حيث أعتقهم بعد ما اشترى رقابهم بالطعام (قالَ) يوسف (مَعاذَ اللهِ) من (أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً) أي إذا أخذنا غيره (لَظالِمُونَ) في مذهبكم لأن استعباد غير من وجد الصواع في رحله ظلم عندكم ، أو أراد إن الله أمرني وأوحى إليّ بأخذ بنيامين فلو أخذت غيره كنت عاملا بخلاف الوحي (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ) حيث لم يقبل الشفاعة أي يئسوا والزيادة للمبالغة. (خَلَصُوا) اعتزلوا عن الناس خالصين لا يخالطهم غيرهم (نَجِيًّا) مصدر والمضاف محذوف أي ذوي نجوى ، أو المراد أنهم