أخذنا يوسف القلب وألقيناه في غيابة الجب البشرية بل سعينا في أن ينال مملكة مصر العبودية ليكون عزيزا فيها ونحن أذلاء له (جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ) أي لكل شارب مشرب ولكل شرب فدية. ففدية الشارب من مشرب الدنيا صنعته وحرفته وكسبه ، وفدية الشارب من مشرب الآخرة الدنيا وشهواتها ، وفدية الشارب من شرب المحبة بذل الوجود (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) الذين وضعوا صواع الملك في غير موضعه طمعا في أن يكونوا حريف الملك وشريبه (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) أي كما كاد الأوصاف البشرية في الابتداء بيوسف القلب إذ ألقوه في جب البشرية كدنا بهم عند قسمة الأقوات من خزانة الملك فجعلنا قسمتهم من مراتع الحيوانات يأكلون كما تأكل الأنعام ، وقسمة بنيامين السر من مشربة الملك. (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ) آتيناه علم الصعود (عَلِيمٌ) بجذبه من المصعد الذي يصعد إليه بالعلم المخلوق إلى مصعد لا يصعد إليه إلا بالعلم القديم وهو السير في الله بالله إلى الله ، وهذا صواع لا تسعه أوعية الإنسانية (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) فيه إشارة إلى السر والقلب مع أنهما مخصوصان بالحظوظ الأخروية والروحانية فإنهما قابلان للاسترقاق من الشهوات الدنياوية والنفسانية. ولما رأت الأوصاف البشرية عزة القلب وعرفت اختصاص البشرية أرادت أن تفدي نفسها وسيلة إلى يعقوب الروح فقالت : (فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ قالَ مَعاذَ اللهِ) أن نقبل بالصحبة والمخالطة (إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا) من الصدق والمحبة والإخلاص عنده أي لا تكون صحبتنا بالكراهية والنفاق وإنما تكون بعلة الجنسية (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا) من صحبة القلب (خَلَصُوا) عن الأوصاف الذميمة للتناجي (قالَ كَبِيرُهُمْ) هو العقل ألم تعلموا أن أباكم وهو الروح (قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ) يوم الميثاق أن لا تعبدوا إلا الله (فَلَنْ أَبْرَحَ) أرض فناء القلب وهي الصدر. والحاصل أن صفة العقل لما تخلصت عن الأوصاف البشرية خرجت عن أوامر النفس وتصرفاتها وصارت محكومة لأوامر الروح مستسلمة لأحكام الحق. (ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ) الروح على أقدام العبودية وتبديل الأخلاق (إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ) لأنه وجد في رحله مشربة المحبة التي بها يكال الحب على وفده. (وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ) عند ارتحالنا من الغيب إلى الشهادة (حافِظِينَ) لأنه جعل السقاية في رحله في غيبتنا. (وَسْئَلِ) أهل مصر الملكوت وأرواح الأنبياء والأولياء (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ) فيه أن للنفس تزيينات وللأوصاف البشرية خيالات يتأذى بها يعقوب الروح لكن عليه أن يصبر على إمضاء أحكام الله وتنفيذ قضائه (عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي) فيه أن متولدات الروح من القلب والأوصاف وغيرها وإن تفرقوا وتباعدوا عن الروح في الجسد للاستكمال فإن الله بجذبات العناية يجمعهم في مقعد صدق عنده مليك مقتدر (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ) بافتراقهم (الْحَكِيمُ) بما في التفريق والجمع من الفوائد.