انتظارها فلامه على ذلك الأوصاف البشرية بقولهم (تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) وأين أهل السلوة من أهل العشق ، أين الخلي من الشجي ، ولا بد للمحب من ملامة الخلق فأول ملامتي آدم عليهالسلام حين قالت الملائكة لأجله (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) [البقرة : ٣٠] بل أول ملامتي هو الله تعالى حين قالوا له : (أَتَجْعَلُ فِيها) وذلك أنه أول محب ادعى المحبة وهو قوله (يُحِبُّهُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف : ٦٢] من جماله وكماله (اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا) فيه أن الواجب على كل مسلم أن يطلب يوسف قلبه وبنيامين سره ، وإن ترك لطف الله واليأس عن وجدانه كفر. فلما رأت الأوصاف البشرية آثار العزة من رب العزة على صفحات أحوال يوسف القلب حين وصلوا بتيسير أحكام الشريعة وتدبير آداب الطريقة إلى سرادقات حضرة القلب (قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا) وهم القوى الإنسانية (الضُّرُّ) البعد عن الحضرة الربانية (وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ) من الأعمال البدنية (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ) بإفاضة سجال العوارف وإسباغ ظلال العواطف (إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) إذ كنتم على صفة الظلومية والجهولية (لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) بالطلب والصدق والشوق والمحبة والوصول والوصال (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) في الإقبال على استيفاء الحظوظ الحيوانية التي تضر القلب والسر والروح (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) لأنه صدر منها ما صدر بحكمة من الله تعالى وتربية القلب وإن كان مضرا له ظاهرا كما أن صنيع إخوة يوسف في البداية صار سببا لرفعة منزلته في النهاية (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي) وهو نور جمال الله (وَلَمَّا فَصَلَتِ) عير واردات القلب وهبت نفحات ألطاف الحق (إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) :
يا عاذل العاشقين دع فئة |
|
أضلها الله كيف ترشدها |
(فَارْتَدَّ بَصِيراً) لأن الروح كان بصيرا في بدو الفطرة ثم عمي لتعلقه بالدنيا وتصرفه فيها ثم صار بصيرا بوارد من القلب :
ورد البشير بما أقر الأعينا |
|
وشفى النفوس فنلن غايات المنى |
والقلب في بدو الأمر كان محتاجا إلى الروح في الاستكمال ، فلما كمل وصلح لقبول فيضان الحق بين إصبعين ونال مملكة الخلافة بمصر القربة في النهاية صار الروح محتاجا إليه لاستنارته بأنوار الحق ، وذلك أن القلب بمثابة المصباح في قبول نار النور الإلهي والروح كالزيت فيحتاج المصباح في البداية إلى الزيت في قبول النار ، ولكن الزيت يحتاج إلى المصباح في البداية وتزكيته في النهاية لتقبل بواسطة النار (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ) لأنه لا يصل إلى الحضرة الأحدية إلا بجذبة المشيئة آمنين من الانقطاع والانفصال