نقول : تأخير العقاب إلى الآخرة لا يسمى مغفرة وإلا كان غافرا للكفار. وأيضا إنه تعالى مدح نفسه بهذا والتمدح إنما يحصل بالتفضل لا بأداء الواجب. وعندكم يجب غفران الصغائر لمن اجتنب الكبائر. وجواب الباقي ما مر عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «لو لا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحدا العيش ولو لا وعيده وعقابه لا تكل كل أحد» قال أهل النظم : إن الكفار طعنوا في نبوته بسبب الطعن في الحشر والنشور ، ثم طعنوا في نبوّته بسبب استبطاء نزول العذاب ، ثم طعنوا في نبوّته بسبب عدم الاعتداد بمعجزاته وذلك قوله : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) وقد تقدم مثل هذا في «الأنعام» في تفسير قوله : وقالوا لو لا أنزل عليه آية من ربه [الأنعام : ٨] ويجيء مثل هذه بعينها في هذه السورة. قيل : وليس بتكرار محض لأن المراد بالأول آية مما اقترحوا نحو ما في قوله : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ) [الإسراء : ٩٠] الآيات. وبالثاني آية ما لأنهم لم يهتدوا إلى أن القرآن آية فوق كل آية وأنكروا سائر آياته صلىاللهعليهوسلم ، أو لعلهم ذكروا هذا الكلام قبل مشاهدة سائر المعجزات فأجاب سبحانه تسلية لرسوله (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) ما عليك إلا الإتيان بما يصح به دعوى إنذارك ورسالتك (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) من الأنبياء يدعوهم إلى الله بوجه من الهداية والإرشاد يليق بزمانه وبأمته. ولم يجعل الأنبياء شرعا في المعجزات فعلى هذا التقدير المنذر النبي والهادي نبي إلا أن الأول محمد والثاني نبي كل زمان. وقيل : المنذر محمد والهادي هو الله تعالى قاله ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك. والمعنى أنهم إن جحدوا كون القرآن. معجزا فلا يضيقن قلبك بسببه فما عليك إلا الإنذار ، وأما الهداية فمن الله. وقيل : المنذر النبي والهادي هو علي. روي عن ابن عباس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وضع يده على صدره فقال : أنا المنذر وأومأ إلى منكب علي فقال : وأنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون بعدي قاله في التفسير الكبير.
ثم أكد المعاني المذكورة في الآيات السابقة بقوله : (اللهُ يَعْلَمُ) لأنه إذا كان عالما بجميع المعلومات قدر على تمييز أجزاء بدن كل مكلف من غيره فلا يستنكر منه البعث ، ويكون نزول العذاب مفوّضا إلى عمله فلا يجوز استعجاله به ، وكذا إنزال الآيات يكون موكولا إلى تدبيره فإن علم أن المكلفين اقترحوها لأجل الاسترشاد ومزيد البيان أظهرها الله تعالى لهم وإلا فلا ، وفيه أن إعطاءه كل منذر آيات خلاف آيات غيره أمر مدبر بالعلم النافذ مقدر بالحكمة الربانية. وعلى القول الثاني فيه أن من هذه قدرته وهذا علمه هو القادر وحده على هدايتهم بأي طريق شاء ، وعلى هذا احتمل أن يكون (اللهُ) خبر مبتدأ محذوف والجملة مفسرة لـ (هادٍ) أي هو الله. ثم ابتدأ فقيل : (يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُ