الله وخلقهم (عَلَيْهِمْ) أي ليس لهذه الشركاء خلق مثل خلق الله حتى يشتبه الأمر عليهم بل ليس لهم خلق أصلا بل كان ما سوى الله عاجز عن الخلق بدليل قوله : (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) المتوحد بالربوبية الذي لا يغالب وما عداه مربوب ومقهور. قالت المعتزلة : للعبد فعل وتأثير ولكنا لا نقول إنه يخلق كخلق الله لأن العبد يفعل لجلب منفعة أو دفع مضرة والله تعالى منزه عن ذلك. وأجيب بأن المخالفة من بعض الوجوه لا تقدح في المماثلة من وجه آخر ، فلو كان فعل العبد كالتحريك مثلا واقعا بقدرته لكان مثلا للتحريك الواقع بقدرة الله تعالى وهذا الإشكال وارد أيضا على من يثبت للعبد كسبا. ثم ضرب مثلا آخر للحق وذويه والباطل ومنتحليه فقال : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ) أي مياهها والوادي الفضاء المنخفض عن الجبال والتلال الذي يجري فيه السيل. وقيل : الوادي اسم للماء من ودى إذا سال ، والمعنى سالت مياه. قال الفارسي : لا نعلم فاعلا جمع على «أفعلة» إلا هذا وكأنه حمل على «فعيل» فجمع على «أفعلة» كجريب وأجرية كما أن فعيلا حمل على فاعل فجمع على «أفعال» مثل يتيم وأيتام وشريف وأشراف كأصحاب وأنصار في صاحب وناصر. وقال غيره : نظير واد وأودية ناد وأندية. ومعنى التنكير في أودية أن المطر لا يأتي إلا على طريق المناوبة بين البقاع فيسيل بعض أودية الأرض دون بعض. قال في الكشاف : معنى (بِقَدَرِها) بمقدارها الذي عرف الله أنه نافع للممطور عليهم بدليل قوله : (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ) وقال الواحدي : معناه سالت مياه الأودية بقدر الأودية فإن صغر الوادي قل الماء وإن اتسع كثر الماء. والزبد هو الأبيض المرتفع المنتفخ على وجه السيل ونحوه. ومعنى (رابِياً) قال الزجاج : طافيا فوق الماء. وقال غيره : زائدا بسبب انتفاخه من ربا يربو إذا زاد. ثم قال سبحانه إظهارا للكبرياء كما هو ديدن الملوك (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ) «من» لابتداء الغاية أي ومنه ينشأ زبد مثل زبد الماء. أو للتبعيض بمعنى بعضه زبد مثله أراد به الأجسام المتطرقة المتفرقة الرابية. والإيقاد على الشيء قسمان : أحدهما أن لا يكون ذلك الشيء في النار كالآجر في قوله : (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ) [القصص : ٣٨] والثاني أن يكون في النار كأنواع الفلز ولهذا قال هاهنا بزيادة لفظة (فِي النَّارِ) قال في الكشاف : فائدة قوله (ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ) مثل فائدة قوله (بِقَدَرِها) لأنه جمع بين الماء والفلز في النفع في قوله : (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ) أي وأما ما ينفعهم به من الماء والفلز فذكر وجه الانتفاع بالفلز وهو اتخاذ الحلي من الذهب والفضة واتخاذ سائر أثاث البيت وأمتعته من الحديد والنحاس والرصاص والأسرب وما يتركب منها والمتاع كل ما تمتع به. (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَ