قال ابن عباس : لهم خيمة من درة مجوّفة طولها فرسخ وعرضها فرسخ لها أبواب مصاريعها من ذهب يدخل عليهم الملائكة من كل باب يقولون لهم سلام عليكم بما صبرتم على أمر الله. وقال أبو بكر الأصم : من كل باب من أبواب البر كباب الصلاة وباب الزكاة وباب الصبر ويقولون : نعم ما أعقبكم الله بعد الدار الأولى. وهذا يناسب قول حكماء الإسلام : إن لكل مرتبة من مراتب الكمالات جوهرا قدسيا وروحا علويا يختص بتلك الصفة ، فبعد المفارقة يفيض على النفس الكاملة من ملك الصبر كمال مخصوص ، ومن ملك الشكر كذلك وعلى هذا القياس. وقد يستدل بالآية على أن الملك أفضل من البشر وإلا فلم يكن دخولهم على المؤمنين موجبا لتحيتهم وإكرامهم. ويمكن أن يجاب بأن وجه التكريم هو مجيئهم بإذن الله ومن عنده لا مجرد المجيء : والباء في قوله : (بِما صَبَرْتُمْ) يتعلق بالسلام. والمعنى إنما حصلت لكم هذه السلامة بواسطة صبركم على الطاعات وعن المحرمات. وقيل : يتعلق بمحذوف أي هذا الثواب بسبب صبركم أو بدل صبركم. وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه كان يأتي قبور الشهداء على رأس كل حول فيقول : سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. ثم أتبع أحوال السعداء أحوال الأشقياء وقد مر تفسيره في أوّل «البقرة» على أن الضد قد يعلم من الضد بسهولة وقد مر آنفا. وقوله : (سُوءُ الدَّارِ) في مقابلة (عُقْبَى الدَّارِ) كأن العاقبة لا تطلق إلا على العاقبة الحميدة كقوله (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف : ١٢٨] لأن غير الحميدة لا تستأهل لأن تكون عاقبة.
وقال في الكشاف : المراد سوء عاقبة الدنيا ولا حاجة إلى هذا الإضمار بناء على ما قلنا. قال : ويجوز أن يراد بالدار جهنم وبسوئها عذابها ذكر أهل النظم أنه لما بين سوء حال الناقصين كان لقائل أن يقول : فما بالهم قد فتح الله عليهم أبواب الرزق في الدنيا فأجاب بقوله : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ) والمراد أن الدنيا دار امتحان لا دار جزاء ، فقد يتفق أن يكون الجاهل الكافر خليّ البال والعالم المؤمن رديّ الحال ولا تعلق لهذا المعنى بالكفر والإيمان. والتركيب للحصر أي هو وحده يوسع الرزق على من يشاء كأهل مكة و (يَقْدِرُ) أي يضيق ومعناه أنه يعطيه بقدر الضرورة وسد الرمق لا يفضل منه شيء (وَفَرِحُوا) يعني أهل مكة وأضرابهم بما بسط لهم من الدنيا فرح بطر وأشر لا فرح تحدث بنعمة الله وإظهارا لفضله عليهم (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) ونعيمها في جنب نعيم الآخرة (إِلَّا مَتاعٌ) شيء نزر يتمتع به أياما قلائل ثم بعد ذلك حسرات لا نهاية لها ، ومثل هذا لا يوجب الفرح بل لا يجوّزه. ثم حكى نوعا آخر من قبائح الكفرة فقال : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) وقد مر مثله في هذه السورة وذكرنا أنه ليس بتكرار