آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا. ثم أوعد الكافرين بقوله : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني عامة الكفار (تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا) من كفرهم وسوء أعمالهم (قارِعَةٌ) داهية تقرعهم من السبي والقتل (أَوْ تَحُلُ) القارعة (قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ) فيتطاير إليهم شررها. (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ) وهو إسلامهم أو موتهم أو القيامة. وقيل : خاصة في أهل مكة ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يزال يبعث السرايا حول مكة فتغير عليهم وتختطف منهم ، وعلى هذا احتمل أن يكون قوله : (أَوْ تَحُلُ) خطابا أي تحل أنت يا محمد قريبا من دارهم بجيشك كما في يوم الحديبية حتى يأتي وعد الله وهو فتح مكة ، وكان قد وعده الله الفتح عموما وخصوصا وكان كما وعد وكان معجزا (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) قد مر البحث في أول سورة آل عمران ثم ازداد في الوعيد فقال : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ) الآية. والإملاء الإمهال وقد مر هناك. والاستفهام في قوله : (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) للتقرير والتهديد. ثم أورد على المشركين ما يجري مجرى الحجاج والتوبيخ والتعجب من عقولهم فقال : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) ومعنى القائم الحفيظ والرقيب أي الله العالم بكل المعلومات القادر على كل الممكنات كمن ليس كذلك. وجوز في الكشاف أن يقدر الخبر بحيث يمكن عطف وجعلوا عليه التقدير : أفمن هو بهذه الصفة لم يوحدوه وجعلوا له شركاء فيكون قوله : «لله» من وضع الظاهر مقام الضمير ، وذكر السيد صاحب حل العقد أنه يجوز أن يجعل الواو في قوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ) للحال ويضمر للمبتدأ خبر يكون المبتدأ معه جملة مقررة لإنكار ما يقارنها من الحال والتقدير : أفمن هو قائم على كل نفس موجود والحال أنهم جعلوا له (شُرَكاءَ) فأقيم الظاهر مقام المضمر كما قلنا تقريرا للإلهية وتصريحا بها وإنه هو الذي يستحق العبادة وحده وهذا كما تقول معطي الناس ومغنيهم موجود ويحرم مثلي. ثم زاد في المحاجة فقال : (قُلْ سَمُّوهُمْ) أي جعلتم له شركاء فسموهم له من هم وأنبئوه بأسمائهم. وإنما يقال ذلك في الشيء المستحقر الذي لا يستحق أن يلتفت إليه فيقال : سمه إن شئت يعني أنه أخس من أن يسمى ويذكر ، ولكنك إن شئت أن تضع له اسما فافعل. وقيل : المراد سموهم بالآلهة على سبيل التهديد.
قال في الكشاف : «أم» في قوله (أَمْ تُنَبِّئُونَهُ) منقطعة كقولك للرجل قل لي من زيد أم هو أقل من أن يعرف. أقول : وذلك لأنه لا شيء محض إذ لو كان الشريك موجودا وهو أرضيّ لتعلق به علم العالم بالذات المحيط بجميع السفليات ونحوه (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ) [يونس : ١٨] وقد مر في أول «يونس». ثم أكد هذا المعنى بقوله : (أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) أي بل أتسمونهم شركاء بظاهر من الكلام من غير أن يكون له حقيقة