القرآن لأن الجبلة البشرية والمزاج الإنساني يقتضي ذلك. ثم أمره لكشف ما نابه بأربعة أشياء : بالتسبيح والتحميد والسجود والعبادة إلى إتيان اليقين. عن ابن عباس : هو الموت سمي بذلك لأنه أمر متيقن ولا يجب الإخلال بالعبادة ما دام المكلف حيا وهذا كما قيل في تحديد مدة طلب العلم : إنه من المهد إلى اللحد. وكيف يصير الإقبال على الطاعات سببا لزوال ضيق القلب؟ قال المحققون : لأنه ينكشف له أضواء عالم الربوبية فيهون في نظره المصالح الدنيوية فلا يستوحش من فقدانها ولا يستأنس بوجدانها. وقال أهل السنة : إذا نزل بالعبد بعض المكاره فعليه أن يفزع إلى الله بالذكر الدائم والسجود وسائر أنواع العبادة فكأنه يقول : وجب عليّ عبادتك سواء أعطيتني الخيرات أو ألقيتني في المكاره. وقالت المعتزلة : من اعتقد تنزيه الله عن القبائح سهل عليه تحمل المشاق لأنه يعلم أنه تعالى عدل منزه عما لا فائدة فيه ولا غرض فيطيب قلبه.
التأويل : في بشارة إبراهيم إشارة إلى أن الطالب الصادق وإن كان مسنا ضعيف القوى كما قيل : الصوفي بعد الأربعين بارد. فأنه ينبغي أن لا يقنط من رحمة الله ، ويتقرب إليه بالأعمال القلبية ليتقرب إليه ربه بأصناف الألطاف وجذبات الأعطاف ، فيخرج من صلب روحه ورحم قلبه غلاما عليما بالعلوم اللدنية وهو واعظ الله الذي في قلب المؤمن (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) لأصحاب القلوب المتوسمين بشواهد أحكام الغيب. وما خلقنا سموات الأرواح وأرض الأشباح ، وما بينهما من النفوس والقلوب والأسرار والخفيات (إِلَّا بِالْحَقِ) أي إلا لمظهر الحق ، ومظهره هو الإنسان المخصوص بذلك من بين سائر المخلوقات (وَإِنَّ السَّاعَةَ) يعني قيامة العشق (لَآتِيَةٌ) لنفوس الطالبين الصادقين من أصحاب الرياضات لأن أنفسهم تموت بالرياضة ومن مات فقد قامت قيامته (فَاصْفَحِ) أيها الطالب الصادق عن النفس المرتاضة بأن تداويها وتواسيها ، فإن في قيامة العشق يحصل من تزكية النفس في لحظة واحدة ما لا يحصل بالمجاهدة في سنين كثيرة ومن هنا قيل : جذبة من جذبات الرحمن توازي عمل الثقلين. (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ) لصور المخلوقات ولمعانيها ولحقائقها (الْعَلِيمُ) بمن خلقه مستعدا لمظهرية ذاته وصفاته ومظهريتهما وليس ذلك في السموات والأرض وما بينهما إلا الإنسان الكامل وغيره مختص بمظهرية الصفات دون الذات وان كان ملكا فلهذا قال : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً) أي سبع صفات ذاتية لله تبارك وتعالى : السمع والبصر والكلام والحياة والعلم والإرادة والقدرة (مِنَ الْمَثانِي) أي من خصوصية المظهرية ، والمظهرية الذات والصفات. (وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) ولهذا صار خلقه عظيما لأنه كان خلقه القرآن (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ)