الطرقات. قال الأخفش : تم الكلام عند قوله : (وَعَلاماتٍ) وقوله (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) كلام منفصل عن الأول. والمراد بالنجم الجنس كما يقال : كثر الدرهم في أيدي الناس. وعن السدي هو الثريا والفرقدان وبنات نعش والجدي. قال بعض المفسرين : أراد بقوله (هُمْ يَهْتَدُونَ) أهل البحر لتقدم ذكر البحر ومنافعه ، وقيل : أراد أعم من ذلك فأهل البر أيضا قد يحصل لهم الاهتداء بالنجوم في الطرق والمسالك ، وفي معرفة القبلة ، وإنما جيء بالضمير الغائب لعوده إلى السائرين الدال عليهم ذكر السبل. وقال في الكشاف : كأنه أراد قريشا فقد كان لهم اهتداء بالنجوم في مسايرهم وكان لهم بذلك علم لم يكن مثله لغيرهم فكان الشكر أوجب عليهم والاعتبار ألزم لهم فخصصوا بتقديم النجم. وإقحام لفظ (هُمْ) كأنه قيل : وبالنجم خصوصا هؤلاء يهتدون. ثم لما عدد الآيات الدالة على الصانع ووحدانيته واتصافه بجميع صفات الكمال أراد أن يوبخ أهل الشرك والعناد فقال : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) أي كالأصنام التي لا تخلق شيئا إلا أنه أجراها مجرى أولي العلم فأطلق عليها لفظ «من» التي هي لأولي العقل بناء على زعمهم أنها آلهة ، أو لأجل المشاكلة بينه وبين من يخلق ، أو أراد أن من يخلق ليس كمن لا يخلق من أولي العلم فكيف بما لا علم عنده ، أو أراد كل ما عبد من دون الله مغلبا فيه أولو العلم منهم. واعلم أن أهل البيان يقولون : إن المشبه به يجب أن يكون أقوى وأتم في وجه الشبه من المشبه ليلتحق الأضعف بالأقوى في وجه الشبه كقولك «وجهه كالقمر». ولا ريب أن الخالق أقوى من غير الخالق فكان حق النظم في الظاهر أن يقال : أفمن لا يخلق كمن يخلق. والقرآن ورد على العكس. ووجهه عند العلماء زيادة التوبيخ ليكون كأنهم جعلوا غير الخالق أقوى حالا وأعرف من الخالق. قال في الكشاف : إنهم جعلوا الله من جنس المخلوقات وشبهوه بها حين جعلوا غيره مثله في التسمية والعبادة فأنكر عليهم ذلك ، ولوضوح كون هذا الأمر منكرا عند من له أدنى عقل بل حس قال (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) وفيه مزيد توبيخ وتجهيل لأنه لجلائه كالحاصل الذي يحصل عند العقل بأدنى تذكر ومع ذلك هم عنه غافلون. قال بعض الأشاعرة. في الآية دلالة على أن العبد غير خالق لأفعال نفسه لأن الآية سيقت لبيان امتيازه بصفة الخالقية. أجابت المعتزلة بأن المراد أفمن يخلق ما تقدم ذكره من السموات والأرض والإنسان والحيوان والنبات والبحار والجبال والنجوم. أو نقول : معنى الآية أن كل ما كان خالقا يكون أفضل ممن لا يكون خالقا ، وهذا القدر لا يدل على أن كل من كان خالقا فإنه يجب أن يكون إلها نظيره قوله : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها) [الأعراف : ١٩٥] أراد به أن الإنسان أفضل من الصنم والأفضل لا