الآلهة متى يبعث عبدتهم فيكون فيه تهكم بالمشركين من حيث إن آلهتهم لا يعلمون وقت بعثهم فكيف يكون لهم وقت جزاء منهم على عبادتهم؟! وفيه أنه لا بد من البعث وأنه من لوازم التكليف ، وإما للأحياء أي لا يعلم هؤلاء الآلهة متى تبعث الأحياء تهكما بحالها لأن شعور الجماد محال فكيف بشعور ما لا يعلمه حي إلا الحي القيوم سبحانه؟ وجوز في الكشاف أن يراد بالذين يدعوهم الكفار الملائكة ، فإن ناسا منهم كانوا يعبدونهم. ومعنى أنهم (أَمْواتٌ) أي لا بد لهم من الموت (غَيْرُ أَحْياءٍ) أي غير باقية حياتهم ولا علم لهم بوقت بعثهم. ولما زيف طريقة عبدة الأصنام صرح بما هو الحق في نفس الأمر فقال : (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ثم ذكر ما لأجله أصر الكفار على شركهم فقال : (فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) للوحدانية أو لكل كلام يخالف هواهم (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) عن قبول الحق وذلك أن المؤمن بالبعث والجزاء يؤثر فيه الترغيب والترهيب فينقاد للحق أسرع ، وأما الجاحد للمعاد فلا يقبل إلا ما يوافق رأيه ويلائم طبعه فيبقى في ظلمة الإنكار (لا جَرَمَ) أي حقا (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) فيجازيهم على ما أسروا من الاستكبار وأعلنوا من العناد (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) عن التوحيد فيختص بالمشركين أو كل مستكبر فيدخل هؤلاء دخولا أوّليا لأن الكلام فيهم.
التأويل : الناس طبقات ثلاث : الغافلون والخطاب معهم بالعتاب إذا كانوا مشتاقين إلى الدنيا وزخارفها وهم أصحاب النفوس ، والعاقلون والخطاب معهم بوعد الثواب لرغبتهم في الطاعات والأعمال الصالحات وهم أرباب العقول ، والعاشقون والخطاب معهم بوصل رب الأرباب لاشتياقهم إلى جمال ذي الجلال. فحين قال في الأزل (أَتى أَمْرُ اللهِ) استعجل أرواح كل طبقة منهم للخروج من العدم إلى الوجود لنيل المقصود وطلب المفقود فخاطبهم بقوله : (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) فإنه سيصيب كل طبقة منكم ما كتب له في القسمة الأزلية. والله سبحانه منزه عن أن يشاركه في الحكم أحد فلا مبدل لكلماته. (بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ) أي بما يحيي القلوب من المواهب الربانية من أمره الوارد على الجوارح بالتكاليف الشرعية وعلى النفوس بآداب الطريقة ، وعلى القلوب بالإشارات ، وعلى الأرواح بملازمة الحضرة للمكاشفات ، وعلى الأسرار بالمراقبات للمشاهدات وعلى الخفيات بتجلي الصفات لإفناء الذوات. (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) من الأنبياء والأولياء (أَنْ أَنْذِرُوا) أعلموا أوصاف وجودكم ببذلها في أنانيتي (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) عن أنانيتكم بأنانيتي. (خَلَقَ) سموات الأرواح وأرض الأشباح وجعلها مظهرا لأفاعيله ، فهو الفاعل لما يظهر على الأرواح والأشباح (تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) الأرواح والأشباح في إحالة