الجنوب إلى الشمال وبالعكس في بلد واحد إذا كان عرضه ناقصا عن الميل الكلي. ومن المعلوم أن الشمس حين وصولها إلى نصف النهار إن كانت في جنوب سمت الرأس وقع ظلها إلى جانب الشمال ، وإن كانت في شماله وقع ظلها إلى الجنوب ، فيحتمل أن يراد بتفيؤ الأضلال تقلبها في هاتين الجهتين والله أعلم. أما قوله (سُجَّداً لِلَّهِ) فإنه حال من الظلال ، ومعنى سجودها انقيادها لأمر الله منتقلة من جانب إلى جانب حسب تحرك النير على نسب مخصوصة ومقادير معلومة ذكرنا بعضها في كتبنا النجومية. وقد بنى المتأخرون على الأضلال مسائل كثيرة منها : الشكل الموسوم بالظلي مع فروعه ، وذكر بعضهم في تفسير هذا السجود أن هذه الأظلال واقعة على الأرض ملصقة بها على هيئة الساجد. وقوله (وَهُمْ داخِرُونَ) حال أخرى من الظلال. وإنما جمع بالواو والنون لأنهم أشبهوا العقلاء من حيث طاعتها لله سبحانه. وقال جار الله : اليمين والشمائل استعارة عن يمين الإنسان وشماله بجانبي الشيء أي ترجع الظلال من جانب إلى جانب منقادة لله غير ممتنعة عليه فيما سخرها له من التفيؤ. والأجرام في أنفسها داخرة أيضا صاغرة منقادة لأفعال الله فيها لا تمتنع (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ) قال الأخفش : أي من الدواب. وأخبر بالواحد كما تقول : ما أتاني من رجل مثله وما أتاني من الرجال مثله.
وقال ابن عباس : يريد كل ما دب على الأرض. والوجه في تخصيص الدابة والملائكة بالذكر أنه علم من آية الظلال أن الجمادات بأسرها منقادة له ، فبين في هذه الآية أن الحيوانات بأسرها أيضا كذلك. ثم عطف عليها الملائكة إما لشرفها وإما لأنها ليست مما يدب ولكنها تطير بالجناحين ، وبين النوعين مغايرة لقوله : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) [الأنعام : ٣٨] وعلى قاعدة الحكماء : وجه المغايرة أنها أرواح مجردة ليست من شأنها الحركة والدب. قال جار الله : من دابة يجوز أن يكون بيانا لما في السموات وما في الأرض جميعا ، على أن في السموات خلقا لله يدبون فيها كما يدب الأناسيّ في الأرض ، وأن يكون بيانا لما في الأرض وحده ويراد بما في السموات الخلق الذي يقال له الروح ، وأن يكون بيانا لما في الأرض وحده ويراد بما في السموات الملائكة. وكرر ذكرهم على معنى والملائكة خصوصا من بين الساجدين لأنهم أطوع الخلق وأعدلهم ، ويجوز أن يراد بما في السموات ملائكتهن ، وبقوله : (وَالْمَلائِكَةُ) ملائكة الأرض من الحفظة وغيرهم انتهى كلامه. ثم شرع سبحانه في صفة الملائكة وذكر عصمتهم فقال : (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ يَخافُونَ) على أنه حال منهم أو بيان لنفي استكبارهم لأن الخوف أثره عدم الاستكبار. وقوله (مِنْ فَوْقِهِمْ) إما أن يتعلق بـ (يَخافُونَ) والمعنى