يخافون ربهم أن يرسل عليهم عذابا من فوقهم ، وإما أن يكون حالا من الرب أي يخافونه غالبا قاهرا. وبحث الفوقية قد تقدم في الأنعام في قوله : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) [الأنعام : ١٨] زعم بعض الطاعنين في عصمة الملائكة أنه تعالى وصفهم بالخوف وحصول الخوف نتيجة تجويز الإقدام على الذنوب ، وهب أنهم فعلوا كل ما أمروا به فمن أين علم أنهم تركوا كل ما نهوا عنه؟ والجواب عن الأوّل أنهم إنما يخافون من العذاب لقوله تعالى : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ) [الأنبياء : ٢٩] فمن هذا الخوف يتركون الذنب. وعن ابن عباس أن هذا الخوف خوف الإجلال كقوله : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : ٢٨] ولا ريب أنه كلما كانت معرفة جلال الله أتم كانت الهيبة والحيرة أعظم. وعن الثاني أن النهي عن الشيء أمر بتركه ، وفي الآية دلالة على أن إبليس لم يكن من الملائكة لأنه أبى واستكبر وإنهم لا يستكبرون. وقد يستدل بها على أن الملك أفضل من البشر بل من كل المخلوقات وإلا لما خصهم بالذكر من بينها ، ولخلو بواطنهم وظواهرهم عن الأخلاق الذميمة وانغماس البشر في الدواعي الشهوية والغضبية ، ولهذا ورد في حقه (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) [عبس : ١٧] وقال صلىاللهعليهوسلم : «ما منا إلا من قد عصى أو هم بمعصية غير يحيى بن زكريا» وقال أيضا صلىاللهعليهوسلم «الشيخ في قومه كالنبي في أمته» فضل الشيخ على الشاب لتقادم عهده وطول مدته ، ولا شك أن الملائكة خلقوا قبل البشر بسنين متطاولة وقرون متمادية ، وأنهم سنوا الطاعة والعبودية ومن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها. وتمام البحث في هذه المسألة المذكور في أول سورة البقرة. وفي قوله : (ما يُؤْمَرُونَ) دلالة على أن الملائكة مكلفون بالأمر والنهي والوعد والوعيد راجين خائفين.
ولما بين أن كل ما سواه في عالمي الأرواح والأجسام فإنه منقاد خاضع لجلاله وكبريائه أتبعه النهي عن الشرك قائلا (وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) فسئل أن التثنية والواحد حيث كانا يدلان على العدد الخاص ، فما الفائدة في وصف إلهين باثنين ووصف إله بواحد؟ وأجيب بوجوه منها : قول صاحب النظم أن فيه تقديما وتأخيرا أي لا تتخذوا اثنين إلهين. ومنها أنه كررت العبارة لأجل المبالغة في التنفير عن اتخاذ الشريك. ومنها قول لأهل المعاني إن فائدة الوصف والبيان هي أن يعلم أن النهي راجع إلى التعدد لا إلى الجنسية ، ولهذا لو قلت : إنما هو إله ولم تؤكده بواحد سبق إلى الوهم أنك تثبت الإلهية لا الوحدانية. وكيف لا يحتاج المقام إلى التوكيد والاثنينية منافية للإلهية لا ستلزام تعدد الواجب كون كل منهما مركبا من جزأين ما به الاشتراك في