الوجوب الذاتي ، وما به الامتياز ولكن التركيب يوجب الافتقار إلى البسائط والافتقار ينافي الوجوب. ودليل التمانع أيضا يعين على المطلوب كما لو أراد أحدهما تحريك جسم معين وأراد الآخر تسكينه ، أو قوي أحدهما على مخالفة الآخر أو لا يقوى ، أو قدر أحدهما على أن يستر ملكه عن الآخر أو لا يقدر. ثم نقل الكلام عن الغيبة إلى التكلم على طريقة الالتفات قائلا : (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) وقد مر مثله في أوّل «البقرة». ثم لما قرر وحدته وأنه يجب أن يخص بالرهبة منه والرغبة إليه ذكر أن الكل ملكه فقال : (وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فقالت الأشاعرة : ليس المراد من كونها لله أنها مفعولة لأجله ولغرض طاعته لأن فيها المباحات والمحظورات التي يؤتى بها لغرض الشهوة واللذة لا لغرض الطاعة ، فالمراد أن كلها بتخليقه وتكوينه ومن جملة ذلك أفعال العباد ، ثم قال (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) فالدين الطاعة ، والواصب الدائم ، ومفازة واصبة بعيدة لا غاية لها. ويقال للمريض وصب لكون ذلك المرض لازما له. وانتصابه على الحال والعامل فيه ما في الظرف من معنى الفعل. قال ابن قتيبة : ليس من أحد يدان له ويطاع إلا انقطع ذلك بسبب في حال الحياة أو الموت إلا الحق سبحانه ، فإن طاعته واجبة أبدا. ويحتمل أن يكون الدين بمعنى الملة أي وله الدين ذا كلفة ومشقة ولذلك سمي تكليفا ، أو وله الجزاء سرمدا لا يزول يعني الثواب والعقاب. وقال بعض المتكلمين المحققين : قوله (وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إشارة إلى أن جميع الممكنات مفتقرة إلى فيض وجوده في حال وجوده لأن الصحيح أن الممكن حال بقائه لا يستغني عن المرجح.
ثم أنكر أن يكون الممكن مع شدة افتقاره إليه يخشى غيره فقال (أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ) ثم منّ عليهم بقوله : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) «ما» بمعنى «الذي» وبكم صلته و (مِنْ نِعْمَةٍ) حال من الضمير في الجار ، أو بيان لما وقوله : (فَمِنَ اللهِ) الخبر. وقيل : «ما» شرطية وفعل الشرط محذوف أي ما يكن. وقال جار الله : معناه أي شيء حال بكم أو اتصل بكم من نعمة فهو من الله ، قال الأشاعرة : أفضل النعم نعمة الإيمان والآية تفيد العموم فهو من نعم الله. والنعمة إما دينية وهي معرفة الحق لذاته ومعرفة الخير لأجل العمل به ، وإما دنيوية نفسانية أو بدنية أو خارجة كالسعادات المالية وغيرها ، وكل واحدة من هذه جنس تحتها أنواع لا حصر لها والكل من الله ، فعلى العاقل أن لا يشكر إلا إياه. ثم بين تلون حال الإنسان بعد استغراقه في بحار نعم الله قائلا (ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) ما تتضرعون إلا إليه. والجؤار رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة. (ثُمَّ إِذا كَشَفَ