كلها. قال أبو الفتح الموصلي : تركيب ع ج م يدل على الإبهام والخفاء ضد البيان والإفصاح ، ومنه «عجم الزبيب» لاستتاره وخفاته ، والعجماء البهيمة ، وصلاة الظهر والعصر عجماوان لأن القراءة فيهما سرية ، وأعجمت الكتاب أي أزلت عجمته. ثم إن العرب تسمي كل من لا يعرف لسانهم ولا يتكلم بلغتهم أعجميا وقالوا : زياد الأعجم لأنه كان في لسانه عجمة مع أنه كان عربيا. وحاصل الجواب هبوا أن محمدا يتعلم المعاني من ذلك الرجل إلا أنه لا يقدح في المقصود لأن القرآن بفصاحته اللفظية أيضا معجز. ولما ذكر جوابهم وبخهم وهددهم بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لا يَهْدِيهِمُ اللهُ) يعني أن سبب عدم إيمانهم هو أن الله لا يهديهم كقوله : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) [البقرة : ٧]. وفسره الإمام فخر الدين بأن الله لا يهديهم إلى طريق الجنة بل يسوقهم إلى النار. وهذا التفسير يناسب أصول المعتزلة فلا أدري كيف مال إليه.
ثم لما بين أنهم ليسوا مظاهر اللطف وكان قد بنى الأمر في جوابهم على تسليم ما ادعى الخصم من أنه يتعلم من ذلك البشر ، أراد أن يبين أن الذي قالوا غير صحيح ولا صادق في نفس الأمر فقال : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ) وفيه أيضا رد لقولهم (إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) [النحل : ١٠١]. يعني إنما يليق افتراء الكذب بمن لا يؤمن لأنه لا يترقب عقابا على الافتراء (وَأُولئِكَ) إشارة إلى قريش أو إلى الذين لا يؤمنون أي هم الذين لا يؤمنون فهم الكاذبون أي هم الكاذبون على الحقيقة الكاملون في الكذب ، لأن تكذيب آيات الله أعظم الكذب ، أو هم الذين من شأنهم الكذب وذلك هجيراهم لا يحجبهم عنه مروءة ولا دين ، أو أولئك هم الكاذبون في قولهم : (إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) [النحل : ١٠١] ومما يدل على كذبهم عقلا أنهم أعداء له وكلام العدا ضرب من الهذيان ولا شهادة لمتهم. وأيضا إن أمر التعليم والتعلم لا يتم في مجلس واحد ولكنه يحتاج إلى أزمنة متمادية ، ولو كان كذلك لاشتهر وانتشر. وأيضا إن العلوم الموجودة في القرآن كثيرة ، والمعلم يجب أن يكون أعلى حالا من المتعلم. فلو كان مثل هذا العالم الذي يتعلم منه مثل النبي صلىاللهعليهوسلم موجودا في ذلك العصر لم يخف حاله ومال الناس إليه دون النبي. قال بعض علماء المعاني : عطف الجملة الاسمية التي هي قوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ) على ما قبلها وهي فعلية ، دالة على أن من أقدم على الكذب فإنه دخل في الكفر تنبيها على أن صفة الكفر فيهم ثابتة راسخة كما تقول : كذبت وأنت كاذب. زيادة في الوصف بالكذب على سبيل الاستمرار والاعتياد ، ولا افتراء أعظم من إنكار الإلهية والنبوة. روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قيل له : هل يكذب المؤمن؟ قال : لا. وقرأ هذه الآية. ثم إنه سبحانه من كمال عنايته أراد أن يفرق