شوائب الرياء. وقيل : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) استيفاء الزيادة (وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) في ترك أصل الانتقام. فإن أردت أن أكون معك بالنصر والتأييد فكن من المتقين ومن المحسنين ، وفيه أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب أن يكون بالرفق واللين مرتبة مرتبة. وقيل : الذين اتقوا إشارة إلى التعظيم لأمر الله ، والذين هم محسنون إشارة إلى الشفقة على خلق الله ومنه قال بعض المشايخ : كمال الطريق صدق مع الحق وخلق مع الخلق. واحتضر هرم بن حبان فقيل له : أوص. فقال : إنما الوصية من المال ولا مال لي أوصيكم بخواتيم سورة النحل.
التأويل : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً) إنه تعالى يعالج بدواء القرآن أمراض القلوب في كل وقت بنوع آخر على حسب ما يعلمه من المصالح فلذلك قال : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) الذين استسلموا للطبيب ومعالجته حتى صارت قلوبهم سليمة. (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) ففيه إنكار أن طب القلوب وعلاجها من شأن البشر بنظر العقل لأنه مبني على معرفة الأمراض وكميتها وكيفيتها ، ومعرفة الأدوية وخواصها وكيفية استعمالها ، ومعرفة الأمزجة واختلاف أحوالها ، وأن القلوب بيد الله يقلبها هو كيف يشاء فيضيق عن معالجتها نطاق عقول البشر ولهذا قال إبراهيم صلىاللهعليهوسلم : (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء : ٨٠] اللهم إلا إذا علم بتعليم الله كقوله : (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) النساء : ١١٣] ومع هذا كان يقول نحن نحكم بالظاهر (يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌ) هو الذي لا يفهم من كلام الله أسراره وحقائقه والعربي ضده كما قال : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ) [مريم : ٩٧]. (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ) لأن الافتراء من شأن النفس الأمارة الكافرة التي لا تؤمن بآيات الله. (وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ) أي هم الذين استمروا على الكذب لأن المؤمن قد يكذب في بعض الأحوال إلا أنه لا يصر على ذلك ، وهكذا في جميع المعاصي ولهذا لا يخرج من الإيمان بالكلية ولكن ينقص الكذب إيمانه ويرجع بالتوبة إلى أصله. قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا» (١). (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ) إشارة إلى المريد المرتد بنسيم روائح نفحات الحق بمشام قلبه عند هبوبه ، واصطكاك أهوية عوالم الباطن ، وانخراق سحب حجب البشرية فلمع له برق أضاءت به آفاق سماء القلب وأشرقت أرض
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب الأدب باب : ٦٩. مسلم في كتاب البر حديث : ١٠٢ ـ ١٠٥. أبو داود في كتاب الأدب باب : ٨٠. الترمذي في كتاب البر باب : ٤٦. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب : ٧. الدارمي في كتاب الرقاق باب : ٧. أحمد في مسنده (١ / ٣٨٤ ، ٤١٠)