بالهزء أي مصاحبين الهزء أو هازئين و (إِذْ يَسْتَمِعُونَ) نصب بما دل عليه أعلم أي أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) أي يتناجون به إذ هم ذوو نجوى (إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ) «إذ» بدل من «إذ هم» (إِنْ تَتَّبِعُونَ) أي على تقدير الإتباع لأنهم لم يتبعوا رسول الله (إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) سحر فاختلط عقله وزال على حد الاعتدال. وقيل : المسحور الذي أفسد من قولهم «طعام مسحور» إذا أفسد عمله «أرض مسحورة» أصابها من المطر أكثر مما ينبعي فأفسدها. وقال مجاهد (مَسْحُوراً) مخدوعا لأن السحر حيلة وخديعة ، زعموا أن محمدا يتعلم من بعض الناس وأولئك الناس كانوا يخدعونه بهذه الحكايات ، أو زعموا أن الشيطان يخدعه فيتمثل له بصورة الملك. وقال أبو عبيدة : يريد بشرا ذا سحر وهو الرئة. قال ابن قتيبة : لا أدري ما حمله على هذا التفسير المستنكر مع أن السلف فسروه بالوجوه الواضحة. (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) شبهك كل منهم بشيء آخر فقالوا : إنه كاهن وشاعر وساحر ومعلم ومجنون (فَضَلُّوا) في جميع ذلك عن طريق الحق (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) إلى الهدى والبيان ضلال من تحير في التيه الذي لا منار به.
وحين فرغ من شبهات القوم في النبوّات حكى شبهتهم في أمر المعاد. وأيضا لما ذكر أن القوم وصفوه بأنه مسحور فاسد العقل ذكر ما كان في زعمهم دالا على اختلاط العقل وهو دعوى الإنسان أنه يصير حيا بعد أن كان عظاما أو رفاتا ، والرفات الأجزاء المفتتة من كل شيء ينكسر وهو اسم كالرضاض والفتات ويقال منه : رفت عظام الجزور رفتا إذا كسرها. وتقرير الشبهة أن الإنسان إذا مات جفت أعضاؤه وتناثرت وتفرقت في جوانب العالم واختلطت بسائطها بأمثالها من العناصر ، فكيف يعقل بعد ذلك اجتماعها بأعيانها ثم عود الحياة إلى ذلك المجموع؟ فأجاب الله تعالى عن شبهتهم بأن إعادة بدن الميت إلى حالة الحياة أمر ممكن ، ولو فرضتم أن بدنه قد صار أبعد شيء من الحياة ورطوبة الحي وغضاضته ومن جنس ما ركب منه البشر كالحجارة أو الحديد فهو كقول القائل : أتطمع فيّ وأنا فلان؟ فيقول : كن ابن الخليفة أو من شئت فسأطلب منك حقي. أما قوله : (خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ). فالمراد فرضوا شيئا آخر أبعد عن قبول الحياة من الحجر والحديد بحيث تستبعد عقولكم كونه قابلا لوصف الحياة ، وعلى هذا لا حاجة إلى تعيين ذلك الشيء. وقال مجاهد : أراد به السموات والأرض. وعن ابن عباس أنه الموت أي لو صارت أبدانكم نفس الموت فإن الله يعيد الحياة إليها. وهذا إنما يحسن على سبيل المبالغة كما يقال : هو روح مجسم أو وجود محض. وإلا فالموت عرض وانقلاب