(وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) فسر بعض الأشاعرة الكثير هاهنا بمعنى الجميع فشنع عليه جار الله بأنه شجى في الحلق وقذى في العين لبشاعة قول القائل : وفضلناهم على جميع ممن خلقنا. والإنصاف أن كون الكثير مفيدا لمعنى الجميع لا يوجب هذا التشنيع ، لأنه لا يلزم من إفادة اللفظ معنى لفظ آخر بمعنى أنه يرجع الحاصل إلى ذلك بدلالة الالتزام ، أو بحكم العرف أن يوضع ذلك اللفظ موضعه وينطق به على أن التفسير لا يقوم مقام المفسر البتة ، لأن هذا معجز دون ذلك فكيف يبقى الذوق بحاله؟ وأيضا فالحاصل هو قولنا على جميع من خلقنا لا على جميع ممن خلقنا ، فإن الدعوى هو أن كثيرا من الشيء أقيم مقام كل ذلك الشيء لا كل من ذلك الشيء حتى تلزم البشاعة من قبل الجمع بين لفظي الكل و «من» التبعيضية. هذا وإن الحق في المسألة هو إجراء الكلام على ظاهره ، وإن الآية تدل على أنه حصل في مخلوقات الله شيء لا يكون للإنسان تفضيل عليه ، لأنه سبحانه ذكر في هذا الكلام في معرض المدح ، ولو كان الإنسان مفضلا على الكل لم يقع من الله تعالى الاقتصار على ذكر البعض. وكل من أثبت هذا القسم قال : إنه هو الملائكة. فلزم القول بأن كل الإنسان ليس أفضل من كل الملائكة بل بعض الملك أفضل من أكثر الإنسان وإن كان يوجد في خواص الإنسان من هو أفضل من عوام الملائكة بل من خواصهم ، وإلى هذا ذهب ابن عباس واختاره الزجاج على ما رواه الواحدي في البسيط. وأما أن كل الملائكة أفضل من كل البشر ـ على ما زعم جار الله وأمثاله ـ فإنه تحكم محض.
ولما ذكر أنواع كرامات الإنسان في الدنيا شرح أحوال درجاته في الآخرة فقال : (يَوْمَ نَدْعُوا) وهو منصوب بإضمار «اذكر» أو بقوله : (فَضَّلْناهُمْ) على عادة الله في الإخبار أي ونفضلهم في هذا اليوم بما نعطيهم من الكرامة والثواب ، وعلى هذا يكون التكريم في الدنيا والتفضيل في الآخرة ولا وقف على (تَفْضِيلاً) والإمام في اللغة كل ما يؤتم به من نبي أو مقدّم في الدين أو كتاب أو دين. والباء في قوله : (بِإِمامِهِمْ) للإلصاق كما تقول أدعوك باسمك. عن أبي هريرة مرفوعا أنه ينادى يوم القيامة يا أمة إبراهيم يا أمة موسى يا أمة عيسى يا أمة محمد ، فيقوم أهل الحق الذين اتبعوا الأنبياء فيأخذون كتبهم بأيمانهم ، ثم ينادى يا أتباع فرعون وفلان وفلان من رؤساء الضلال وأكابر الكفر. ويجوز أن يتعلق الباء بمحذوف وهو الحال والتقدير : تدعو كل أناس متلبسين بإمامهم أي يدعون وإمامهم في نحو «ركب بجنوده». وروى الضحاك وابن زيد أنه ينادى في القيامة يا أهل القرآن يا أهل التوراة يا أهل الإنجيل. وقال الحسن : يدعون بكتابهم الذي فيه أعمالهم