عَجِيبٌ) عادة فأزال الملائكة تعجبها منكرين عليها بقولهم على سبيل الاستئناف (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ) يا أهل بيت خليل الرحمن. والمقصود أن رحمته عليكم متكاثرة وبركاته فيكم متواترة وخرق العادات في أهل بيت النبوة غير عجيب. ويحتمل أن يكون انتصاب (أَهْلَ الْبَيْتِ) على الاختصاص. وقيل : الرحمة النبوة والبركات الأسباط من بني إسرائيل لأن الأنبياء منهم وكلهم من ولد إبراهيم. ثم أكدوا إزالة التعجب بقولهم : (إِنَّهُ حَمِيدٌ) محمود في أفعاله (مَجِيدٌ) ذو الكرم الكامل فلا يليق به منع الطالب عن مطلوبه. (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ) الخوف الذي لحقه حين أنكر أضيافه (وَجاءَتْهُ الْبُشْرى) البشارة بحصول الولد (يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) في معناهم وفي شأنهم وهو جواب «لما» على حكاية الحال ، أو لأن «لما» ترد المضارع إلى الماضي عكس «إن» ، ويحتمل أن يكون جواب «لما» محذوفا دل عليه (يُجادِلُنا) أي اجترأ على خطابنا أو قال كذا ، ثم ابتدأ فقال : (يُجادِلُنا). وقيل : معناه أخذ يجادلنا ولا بد من حذف مضاف أي يجادل رسلنا لا بمعنى مخالفة أمر الله فإن ذلك يكون معصية بل سعيا في تأخير العذاب عنهم رجاء إيمانهم وتوبتهم. يروى أنهم قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية فقال : أرأيتم لو كان فيها خمسون من المؤمنين أتهلكونها؟ قالوا : لا قال : فأربعون؟ قالوا : لا حتى بلغ العشرة قالوا لا. قال : فإن كان فيها رجل واحد مسلم أتهلكونها؟ قالوا : لا. فعند ذلك (قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ) [العنكبوت : ٣٢] قال الأصوليون : إن إبراهيم كان يقول : إن أمر الله ورد بايصال العذاب ومطلق الأمر لا يوجب الفور ، والملائكة يدعون الفور إما للقرائن أو لأن مطلق الأمر يستدعي ذلك ، فهذه هي المجادلة. أو لعل إبراهيم كان يدعي أن الأمر مشروط بشرط لم يحصل بعدوهم لا يسلمون. وبالجملة فإن العلماء يجادل بعضهم بعضا عند التمسك بالنصوص وليس يوجب القدح في واحد منهم فكذلك هاهنا ولذلك مدحه بقوله : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ) غير عجول في الأمور (أَوَّاهٌ) كثير التأوّه من الذنوب (مُنِيبٌ) راجع إلى الله في كل ما يسنح له. وهذه الصفات تدل على رقة القلب والشفقة على خلق الله حتى حملته على المجادلة فيهم رجاء أن يرفع العذاب عنهم. ولما عرفت الملائكة أن العذاب قد حق عليهم قالوا : (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) الجدال (إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) بإهلاكهم (وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ) لا حق بهم (عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) فلا راد لقضائه فلا ينفع فيهم جدال ولا دعاء.
(وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا) المذكورون (لُوطاً سِيءَ بِهِمْ) أصله «سوىء» لأنه من ساءه يسوءه نقيض سره يسره ، نقلت الكسرة إلى الفاء وأبدلت العين ياء ، ومن قرأ (سِيءَ)