من آيات الله على هذا التقدير. وأجيب بأن المشار إليه حفظهم في ذلك الغار مدة طويلة ، والمقصود من بيان وضع الغار تعيين مكانهم. ثم بين الله سبحانه لطفه بهم بصون أبدانهم عن الفساد في تلك المدة المديدة كما لطف بهم في أول الأمر بالهداية فكان فيه ثناء عليهم وتذكير لغيرهم إن الهداية وضدها كليهما بمشيئة الله وعنايتها الأزلية وبلطفه وقهره الذي سبق به القلم. وقال جار الله : فيه تنبيه على أن من سلك طريقة الراشدين المهديين فهو الذي أصاب الفلاح ، ومن تعرض للخسران فلن يجد من يليه ويرشده. ثم حكى طرفا آخر من غرائب أحوالهم فقال (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً) هي جمع يقظ بكسر القاف كأنكاد في جمع نكد (وَهُمْ رُقُودٌ) جمع راقد كقعود في قاعد. واستبعده في التفسير الكبير. وقيل : عيونهم مفتحة وهم نيام فيحسبهم الناظر لذلك أيقاظا. وقال الزجاج : لكثرة تقلبهم. وقيل : لهم تقلبتان في السنة. وقيل : تقلبة واحدة في يوم عاشوراء. وعن مجاهد : يمكثون رقودا على أيمانهم سبع سنين ثم يقلبون على شمائلهم فيمكثون رقودا سبع سنين ، وفائدة تقلبهم ظاهرة وهي أن لا تأكل لحومهم الأرض. قال ابن عباس : وتعجب منه الإمام فخر الدين قال : وإن الله تعالى قادر على حفظهم من غير تقليب. وأقول : لا ريب في قدرة الله تعالى ولكن الوسائط معتبرة في أغلب الأحوال (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ) حكاية الحال الماضية ولهذا عمل في المفعول به. والوصيد الفناء وقيل العتبة أو الباب. قال السدي : الكهف لا يكون له عتبة ولا باب وإنما أراد أن الكلب منه موضع العتبة من البيت. عن ابن عباس : هربوا ليلا من ملكهم فمروا براع معه كلب فتبعهم على دينهم ومعه كلبه. وقال كعب : مروا بكلب فنبح عليهم فطردوه فعاد ففعلوا ذلك ثلاث مرات فقال لهم الكلب : ما تريدون مني أنا أحب أحباء الله فناموا حتى أحرسكم. وقال عبيد بن عمرو : كان ذلك كلب صيدهم والاطلاع على الشيء الإشراف عليه. قال الزجاج قوله (فِراراً) منصوب على المصدر لأنه بمعنى التولية. وسبب الرعب هيبة ألبسهم الله إياها. وقيل : طول أظفارهم وشعورهم وعظم أجرامهم ووحشة مكانهم منه يحكى أن معاوية غزا الروم فقال : لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال له ابن عباس : ليس لك ذلك قد منع الله منه من هو خير منك؟ فقال : (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً) فقال معاوية : لا أنتهي حتى أعلم علمهم فبعث ناسا فقال لهم : اذهبوا فانظروا ففعلوا ، فلما دخلوا الكهف بعث الله ريحا فأخرجتهم (وَكَذلِكَ) إشارة إلى المذكور قبله أي وكما أنمناهم تلك النومة وفعلنا بهم ما فعلنا من الكرامات كذلك (بَعَثْناهُمْ) وفيه تذكير لقدرته على الإنامة والبعث جميعا ، ثم ذكر غاية بعثهم فقال : (لِيَتَساءَلُوا) أي ليقع التساؤل بينهم والاختلاف والتنازع