(أَبَداً) وذلك لطول أمله واستيلاء الحرص عليه واغتراره بالمهلة حتى أنكر المحسوس وادعى غلبة الظن بامتناع النشور مع قيام الدلائل العقلية والحسية على إمكانه ووجود الدلائل الشرعية على وجوبه قائلا (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) ثم أقسم على أنه إن رد إلى ربه فرضا وتقديرا وكما يزعم صاحبه أن له ربا وأنه سيرد إليه وجد خيرا من جنته في الدنيا كأنه قاس الغائب على الشاهد أو ادعى أن النعم الدنيوية لن تكون استدراجية أصلا وإنما تكون استحقاقا وكرامة. (مُنْقَلَباً) نصب على التمييز أي مرجع تلك وعاقبتها لكونها باقية بزعمكم خير من هذه لكونها فانية حسا أو في اعتقادكم. قال بعض العلماء : الرد يتضمن كراهة المردود إليه فلهذا قال : (وَلَئِنْ رُدِدْتُ) أي عن جنتي هذه التي أظن أن لا تبيد أبدا إلى ربي ، ولما لم يسبق مثل هذا المعنى في «حم» قال هناك : (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي) [فصلت : ٥٠] ، قوله : (أَكَفَرْتَ) زعم الجمهور أن أخاه إنما حكم بكفره لأنه أنكر البعث. وأقول : يحتمل أن يكون كافرا بالله أيضا بل مشركا لقوله بعد ذلك : (يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً) ولقول أخيه معرضا به (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) وليس في قوله : (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي) دلالة على أنه كان عارفا بربه لاحتمال أن يكون قد قال ذلك بزعم صاحبه كما أشرنا إليه. وقوله : (خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ) أي خلق أصلك وهو إشارة إلى مادته البعيدة. وقوله : (مِنْ نُطْفَةٍ) إشارة إلى مادتة القريبة. ومعنى (سَوَّاكَ رَجُلاً) عدلك وكلك حال كونك إنسانا ذكرا بالغا مبلغ الرجال المكلفين ويجوز أن يكون (رَجُلاً) تمييزا.
ولعل السر في تخصيص الله سبحانه في هذا المقام بهذا الوصف هو أن يكون دليلا على وجود الصانع أولا ، لأن الاستدلال على هذا المطلوب بخلق الإنسان أقرب الاستدلالات ، وفيه أيضا إشارة إلى إمكان البعث لأن الذي قدر على الإبداء أقدر على الإعادة ، وفيه أنه خلقه فقيرا لا غنيا فعلم منه أنه خلقه للعبودية والإقرار لا للفخر والإنكار. ثم استدرك لقوله (أَكَفَرْتَ) كأنه قال لأخيه : أنت كافر بالله لكني مؤمن موحد. وأصل لكنا «لكن أنا» حذفت الهمزة بعد إلقاء حركتها على ما قبلها ، ثم استثقل اجتماع النونين فسكنت الأولى وأدغمت في الثانية ، وضمير الغائب للشأن ، والجملة بعده خبر للشأن ، والمجموع خبر «أنا» والراجع ياء الضمير وتقدير الكلام : لكن أنا الشأن الله ربي. قال أهل العربية : إثبات ألف «أنا» في الوصل ضعيف ، ولكن قراءة ابن عامر قوية بناء على أن الألف كالعوض عن حذف الهمزة (وَلَوْ لا) للتخفيض وفعله. قلت : و (إِذْ دَخَلْتَ) ظرف وقع في البين توسعا. وقوله : (ما شاءَ اللهُ) خبر مبتدأ محذوف أو جملة شرطية محذوفة الجزاء تقدير الكلام الأمر ما شاء الله أو أي شيء شاء الله كان. استدل أهل السنة بالآية في أنه لا يدخل في الوجود شيء إلا بأمر الله ومشيئته. وأجاب الكعبي