فبقوا في أسفل سافلين الطبيعة (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ) والتحلية بالأساور إشارة إلى ظهور آثار الملكات عليهم وقوله : (مِنْ ذَهَبٍ) رمز إلى أنها ملكات مستحسنة معتدلة راسخة (يَلْبَسُونَ ثِياباً) فيه أن أنوار العبادات تلوح عليهم وتشتمل بهم. وقوله : (خُضْراً) إشارة إلى أنها أنوار غير قاهرة و (مِنْ سُنْدُسٍ) إشارة إلى ما لطف من الرياضات (وَإِسْتَبْرَقٍ) إلى ما شق منها (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ) لأنهم فرغوا بها وكلفوا وقضوا ما عليهم من المجاهدات وبقي ما لهم من المشاهدات (مَثَلاً رَجُلَيْنِ) هما النفس الكافرة والقلب المؤمن. (جَعَلْنا لِأَحَدِهِما) وهو النفس (جَنَّتَيْنِ) هما الهوى والدنيا (مِنْ أَعْنابٍ) الشهوات (وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ) حب الرياسة (وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً) من التمتعات البهيمية (وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً) من القوى البشرية والحواس. (وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ) من أنواع الشهوات (وَهُوَ يُحاوِرُهُ) يجاذب النفس والقلب (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً) أي ميلا (وَأَعَزُّ نَفَراً) من أوصاف المذمومات (وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) في الاستمتاع بجنة الدنيا على وفق الهوى (لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها) لأنه غر بالله وكرمه فلا جرم يقال له ما غرك بربك الكريم ، هلا قلت (ما شاءَ اللهُ) أي أتصرف في جنة الدنيا كما شاء الله (عَلى ما أَنْفَقَ فِيها) من العمر وحسن الاستعداد (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ) هو الروح العلوي الذي نزل إلى أرض الجسد (فَاخْتَلَطَ) الروح بالأخلاق الذميمة (فَأَصْبَحَ هَشِيماً) تلاشت منه نداوة الأخلاق الروحانية (تَذْرُوهُ) رياح الأهوية المختلفة فيكون حاله خلاف روح أدركته العناية الأزلية فبعث إليه دهقان من أهل الكمال فرباه بماء العلم والعمل حتى يصير شجرة طيبة. (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) أي ما فني منك وبقي بربك والله أعلم بالصواب.
(وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧) وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (٤٨) وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (٥٠) ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (٥١) وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (٥٤) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا