الصحف مثبتا فيها أو وجدوا أجزاء ما عملوا ظاهرا على صفحات أحوالهم (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) استدل الجبائي به على بطلان مذهب الأشاعرة في أن الأطفال يجوز أن تعذب بذنوب آبائهم فإن ذلك ظلم. والجواب أن الظلم إنما يتصوّر في حق من تصرف في غير ملكه قالوا : لو ثبت أن له بحكم المالكية أن يفعل ما يشاء من غير اعتراض عليه لم يكن لهذا الإخبار فائدة. وأجيب بأن تلك القضية بعد الدلائل العقلية علمت من مثل هذه الآية. عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يحاسب الناس في القيامة على ثلاثة : يوسف وأيوب وسليمان يدعو المملوك فيقول له : ما شغلك عني؟ فيقول جعلتني عبد الآدمي فلم تفرغني فيدعو يوسف فيقول : كان هذا عبدا مثلك ثم يمنعه ذلك أن عبدني فيؤمر به إلى النار. ثم يدعى بالمبتلى فإذا قال : أشغلتني بالبلاء دعا بأيوب فيقول : قد ابتليت هذا بأشد من بلائك فلم يمنعه ذلك عن عبادتي ويؤمر به إلى النار ، ثم يؤتى بالملك في الدنيا مع آتاه الله من الغنى والسعة فيقول : ماذا عملت فيما آتيتك فيقول : شغلني الملك عن ذلك فيدعى بسليمان فيقول : هذا عبدي سليمان آتيته أكثر مما آتيتك فلم يشغله ذلك عن عبادتي اذهب فلا عذر لك فيؤمر به إلى النار» ثم إنه سبحانه عاد على أرباب الخيلاء من قريش فذكر قصة آدم واستكبار إبليس عليه. قال جار الله : قوله : (كانَ مِنَ الْجِنِ) كلام مستأنف جار مجرى التعليل بعد استثناء إبليس من الساجدين كأن قائلا قال : ما له لم يسجد فقيل : (كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ) والفاء للتسبيب أي كونه من الجن سبب في فسقه ولو كان ملكا لم يفسق لثبوت عصمة الملائكة. وقال آخرون : اشتقاق الجن من الاستتار عن العيون فيشمل الملائكة والنوع المسمى بالجن. ثم من لم يوجب عصمة الملك فظاهر ، ومن أوجب قال : «كان» بمعنى «صار» أي مسخ عن حقيقة الملائكة إلى حقيقة الجن ، وقد سلف هذا البحث بتمامه في أول سورة البقرة. ومعنى (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) خرج عن طاعته. وحكى الزجاج عن الخليل وسيبويه أنه لما أمر فعصى كان سبب فسقه هو ذلك الأمر ولو لا ذلك الأمر الشاق لما حصل ذلك الفسق فلهذا حسن أن يقال : (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ). وقال قطرب : هو على حذف المضاف أي فسق عن ترك أمره. ثم عجب من حال من أطاع إبليس في الكفر. والمعاصي وخالف أمر الله فقال : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ) كأنه قيل أعقيب ما وجد منه من إلا باء والفسق تتخذونه (وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي) وتستبدلونهم بي وقصة آدم وإبليس سمعها قريش من أهل الكتاب وعرفوا صحتها فلذلك صح الاحتجاج بها عليهم وإن لم يعتقدوا كون محمد صلىاللهعليهوسلم نبيا (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) أي بئس البدل من الله. إبليس لمن استبدل به فأطاعه بدل طاعته. قال الجبائي : في الآية دلالة على أنه لا يريد الكفر ولا يخلقه في العبد وإلا لم يصح هذا الذم