وقد مر في قوله : (وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ) [إبراهيم : ١٧] وقيل : أراد خلفهم وكان طريقهم في الرجوع وما كان عندهم خبرة (يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ) أي غير معيبة (غَصْباً) ولا يخفى أن الضرر الحاصل من التخريق أهون من فوات السفينة بالكلية والتخريق ، وإن كان تصرفا في ملك الغير إلا أنه إذا تضمن نفعا زائدا لم يكن به بأس. ولعل مثل هذا التصرف كان جائزا في تلك الشريعة. أو لعله كان من مخصوصات النبي صلىاللهعليهوسلم. قال جار الله : قوله : (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) مسبب عن خوف الغصب عليها وكان حقه أن يتأخر عن السبب ولكنه قدم للعناية أي تتعجب من هذا وهو مرادي وأنا مأمور به. وأيضا خوف الغصب ليس هو السبب وحده ، ولكن مع كون السفينة للمساكين فتوسط إرادة العيب بين المسكنة والغصب كتوسط الظن بين المبتدأ والخبر في قولك «زيد ظني مقيم» في أنه يتعلق بالطرفين (وَأَمَّا الْغُلامُ) فقد قيل : إنه كان بالغا قاطع الطريق يقدم على الأفعال المنكرة وكان أبواه مضطرين إلى التعصب له والذب عنه فكانا يقعان في الفسق لذلك واحتمل أن يؤدي ذلك إلى الكفر والارتداد كما قال : (فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً). يقال : رهقة أي غشيه وأرهقه إياه. وقيل : إنه كان صبيا إلا أنه تعالى علم من حاله أنه لو صار بالغا صدرت عنه هذه المفاسد ، فأعلم الخضر بحاله وأمره بقتله لئلا يرتد الأبوان بسببه ومثل هذا لا يجوز إلا إذا تأكد الظن بالوحي. وقيل : أراد فخفنا أن يغشى الوالدين طغيانا عليهما وكفرا بنعمتهما بعقوقه ، أو خفنا أن يقرن بإيمانهما طغيانه وكفره فيجتمع في بيت واحد مؤمنان وطاغ كافر. وجوزوا أن يكون قوله : (فَخَشِينا) من كلام الله تعالى أي كرهنا كراهة من خاف سوء عاقبة أمر فغيره. والزكاة الطهارة والنقاء من الذنوب وكأنه بإزاء قول موسى نفسا زاكية. والرحم الرحمة والعطف بمعنى الإشفاق على الأبوين. يروى أنهما ولدت لهما جارية فتزوجها نبي فولدت نبيا هدى الله على يديه أمة من الأمم. ويروى أنها ولدت سبعين نبيا. وقيل : أبدلهما أبدلهما أبنا مؤمنا. وقيل : اسم الغلام المقتول الحيسون وفي نسخة الحسين.
(وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ). قيل : اسمهما أصرم وصريم. وقوله : (فِي الْمَدِينَةِ) بعد قوله : (أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ) فيه دلالة على أن القرية لا تنافي المدينة ومعنى الاجتماع والإقامة مراعى فيهما. أما الكنز فقيل : هو المال لقوله : (وَيَسْتَخْرِجا) ولأن المفهوم منه عند إطلاقه هو المال. وقيل : صحف فيها علم لقوله : (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) ودفن المال لا يليق بأهل الصلاح. وعورض بقول قتادة : أحل الكنز لمن قبلنا وحرم علينا. وحرمت الغنيمة عليهم وأحلت لنا. وجمع بعضهم بين الأمرين فقال : كان لوحا من ذهب مكتوبا