في فلكها تدور بدوران الفلك. وأيضا قد وضح أن جرم الشمس أكبر من جرم الأرض بمائة وست وستين مرة تقريبا ، فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض؟ فتأويل الآية أن الشمس تشاهد هناك أعني في طرف العمارة كأنها تغيب وراء البحر الغربي في الماء كما أن راكب البحر يرى الشمس تغيب في الماء لأنه لا يرى الساحل ولهذا قال : (وَجَدَها تَغْرُبُ) ولم يخبر أنها تغرب في عين ، ولا شك أن البحار الغربية قوية السخونة فهي حامية ، وأيضا حمئة لكثرة ما في البحار من الطين الأسود. أما قوله : (وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً) فالضمير إما للشمس وإما للعين ، وذلك أن الإنسان لما تخيل أن الشمس تغرب هناك كان سكان ذلك الموضع كأنهم سكنوا بالقرب من الشمس. قال ابن جريج : هناك مدينة لها اثنا عشر ألف باب لولا أصوات أهلها سمع الناس وجوب الشمس حين تجب ، كانوا كفرة بالله فخيره الله بين أن يعذبهم بالقتل وأن يتخذ فيهم حسنا وهو تركهم أحياء فاختار الدعوة والاجتهاد فقال (أَمَّا مَنْ ظَلَمَ) بالإصرار على الشرك (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) بالقتل في الدنيا (ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ) في الآخرة (فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً) منكرا فظيعا.
روى صاحب الكشاف عن قتادة أنه كان يطبخ من كفر في القدور وهو العذاب النكر ، ومن آمن أعطاه وكساه وفيه نظر ، لأن العذاب النكر بعد أن يرد إلى ربه لا يمكن أن يكون من فعل ذي القرنين. ومن قرأ (جَزاءً) بالنصب أراد فله الفعلة (الْحُسْنى) جزاء ، ومن قرأ بالرفع أراد فله جزاء الفعلة الحسنى التي هي كل الشهادة ، أو فله أن يجازى المثوبة الحسنى (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا) أي مما نأمر به الناس من الزكاة والخراج وغير ذلك (يُسْراً) أي قولا ذا يسر ليس بالصعب الشاق. ثم حكى سفره إلى أقصى الشرق قائلا (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) أي هيأ أسبابا بسفر المشرق (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ) أي مكان طلوعها (وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) عن كعب أن الستر هو الأبنية وذلك أن أرضهم لا تمسكها فليس هناك شجر ولا جبل ولا أبنية تمنع شعاع الشمس وتدفع حره عنهم ، فإذا طلعت الشمس دخلوا في أسراب لهم ، وإذا غربت اشتغلوا بتحصيل المعاش ، فحالهم بالضد من أحوال سائر الخلق. وعن مجاهد أن الستر الثياب وأنهم عراة كالزنج ، وحال كل من سكن في البلاد القريبة من خط الاستواء كذلك. حكى صاحب الكشاف عن بعضهم أنه قال : خرجت حتى جاوزت الصين فسألت عن هؤلاء فقيل : بينك وبينهم مسيرة يوم وليلة. فبلغتهم فإذا أجدهم يفرش أذنه ويلبس الأخرى. وحين قرب طلوع الشمس سمعت كهيئة الصلصلة فغشى عليّ ثم أفقت ، فلما طلعت الشمس إذ هي فوق الماء كهيئة الزيت فأدخلونا سربا لهم ، فلما أرتفع النهار خرجوا إلى البحر فجعلوا