كجبال تهامة ، فإذا وزنوها لم تزن شيئا وذلك قوله : فلا تقيم لهم يوم القيامة وزنا قال القاضي : إن من غلبت معاصية طاعاته صار ما فعله من الطاعة كأن لم يكن فلا يدخل في الوزن شيء من طاعاته ، وهذا مبني على الإحباط والتكفير.
وفي قوله : (فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) إشارة إلى ذلك ، أو المراد فنزدري بهم ولا يكون لهم عندنا وزن ومقدار. وقيل : لا يقام لهم ميزان لأن الميزان إنما يوضع لأهل الحسنات والسيئات من الموحدين (ذلِكَ) الذي ذكرناه من أنواع الوعيد (جَزاؤُهُمْ) وقوله (جَهَنَّمُ) عطف للجزاء. والسبب فيه أنهم ضموا إلى الكفر بالله اتخاذ آيات الله واتخاذ كل رسله هزؤا وتكذيبا ، ويجوز أن يكون كل من الأمرين سببا مستقلا للتعذيب ، ثم أردف الوعيد بالوعد على عادته. عن قتادة : الفردوس أوسط الجنة وأفضلها. وعن كعب : ليس في الجنان أعلى من جنة الفردوس وفيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر. وعن مجاهد : الفردوس هو البستان بالرومية. وعن النبي صلىاللهعليهوسلم : «الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مسيرة مائة عام والفردوس أعلاها درجة ، وفيها الأنهار الأربعة فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإن فوقها عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة» (١). قال أهل السنة : جعل جنات الفردوس نزلا فالإكرام التام يكون وراء ذلك وليس إلا الرؤية ونظيره أنه جعل جهنم بأسرها نزلا فما وراءها هو العذاب الحقيقي وهو عذاب الحجاب (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [المطففين : ١٥] والحول التحول وفيه أنه لا مزيد على نعيم الفردوس حتى تنازعهم أنفسهم إلى تلك الزيادة ، ويجوز أن يراد به تأكيد الخلود أي لا تحوّل فيطلب كقوله
ولا ترى الضب بها ينجحر
ولما ذكر أنواع الدلائل والبينات وشرح أقاصيص سئل عنها. نبه على كمال حال القرآن. والمداد اسم لما يمد به الشيء كالحبر والزيت للدواة والسراج ، والمعنى لو كتبت كلمات علم الله وحكمه وفرض أن جنس البحر مداد لهما لنفد البحر قبل نفاد الكلمات ولو جئنا بمثل البحر مددا لنفد أيضا وهو تمييز من مثله كقولك «على التمرة مثلها زبدا» والمدد والمداد واحد. يروى أن حيي بن أخطب قال : في كتابكم (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) [البقرة : ٢٦٩] ثم تقرءون (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء :
__________________
(١) رواه أحمد في مسنده (٢ / ٣٣٥).