والإرشاد ، أراد أن يبين أن الإنسان الكامل إنما هو مستحق الخلافة في الأرض وهو ذو القرنين الذي ملك الجانبين أعني جانب عالم الأرواح وجانب عالم الأشباح ، لأنه أوتي التمكين في الأرض وأتى أسباب كل شيء في عالم الوسائط والأسباب ، فبذلك يصير كاملا في نفسه مكملا لغيره. (فَأَتْبَعَ سَبَباً) من أسباب الوصول إلى عالم السفلي وهو مغرب شمس الروحي الإنساني (وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) هي عالم القوى والطبائع والأجساد (وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً) هم القوى البدنية والنفوس الأرضية (قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ) بالقتل بسكين الرياضة وسيف المجاهدة (وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) هو الرفق والمداراة (قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ) بوضع خاصيته واستعمالها في غير موضعها (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) بقهره على خلاف ما هو مراده وهواه (ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ) وهو الشيخ الكامل الذي يربيه (فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً) هو المنع عن مشتهياته ، أو يرد إلى الله تعالى فيعذبه بعذاب البعد والقطيعة. (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى) هو مقام الوصول والوصال (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً) هو التخفيف والاستراحة بعد الفناء والمجاهدة (ثُمَّ أَتْبَعَ) أسباب الوصول إلى عالم الأرواح وهو مطلع شمس النفس الناطقة الإنسانية (وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ) مجردين عن العلائق الجسمانية والعوائق الساترة الجسدانية (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) وهو عالم التعيش والتمدن والجولان في جو أسباب قوام البدن وقيامه على وجه الجسمانية إلى صلاح المعاد ونظامه (وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) وهم العوام الذين قصارى أمرهم الجهل البسيط (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) القوى والطبائع البشرية (مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) البشرية باستعمال خواصها في غير ما خلقت هي لأجلها (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً) هو ترك الوجود وبذلك الموجود. (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) بهمة صارفة وعزيمة صادقة (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) ملكات راسخة وهيئات ثابتة أو قلوبا هن كالحديد في المضاء ، وكالجبال الراسيات في البقاء (حَتَّى إِذا ساوى) عرض ما بين طرفي العمر كما قيل من لمهد إلى اللحد (قالَ انْفُخُوا) بالمداومة على الأذكار والأوراد (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً) بتأثير حرارة الطاعة والذكر في حديد القلب (قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) هو جوهر المحبة وكيمياء الإخلاص النافذ في سويدات القلوب بحيث لا ينفذ فيه كيد الشيطان ولا يعلوه ما سوى الرحمن الله حسبي.