المقسم به دليل كمال العناية بالمقسم عليه ، وإضافة القسم إلى المخاطب وهو رسول الله صلىاللهعليهوسلم بإجماع المفسرين تفخيم لشأنه ورفع من مقداره ، والواو في (وَالشَّياطِينَ) إما للعطف وإما بمعنى مع بناء على أن كل كافر مقرون مع شيطانه في سلسلة ، وإذا حشر جميع الناس حشرا واحدا وفيهم الكفرة مقرونين بالشياطين فقد حشروا مع الشياطين بل الكفرة ، وإن كان الضمير عائدا إلى منكري البعث فقط فلا إشكال. وكذا في قوله : (لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) أي جثيا على الركب غير مشاة على أقدامهم لما يدهشهم من شدة الأمر التي لا يطيقون معها القيام على الأرجل ، أو على العادة المعهودة في مواقف مطالبات الملوك ومقاولاتهم. (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَ) لنميزن (مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) طائفة شاعت أي تبعت غاويا من الغواة ، وقد سبق تفسيره في الأنعام. (أَيُّهُمْ أَشَدُّ) قرىء بالنصب وهو ظاهر ، وأما المقتصرون على الضم فذهب سيبويه إلى أنها مبنية كيلا يلزم خلاف القياس من وجهين : أحدهما إعراب أيّ مع أن من حق الموصول أن يبنى ، والآخر حذف المبتدأ مع الأصل فيه أن يكون مذكورا والتقدير : أيهم هو أشد. وذهب الخليل إلى أنها معربة ولكنها لم تنصب على أن تكون مفعول (لَنَنْزِعَنَ) بل رفعت بتقدير الحكاية أي من كل شيعة مقول فيهم أيهم أشد ، فيكون من كل شيعة مفعول (لَنَنْزِعَنَ) كقولك «أكلت من كل طعام» أي بعضا من كل. ويجوز أن يقدّر لننزعن الذين يقال فيهم أيهم أشد ، قال سيبويه : لو جاز «اضرب أيهم» أفضل على الحكاية لجاز «اضرب الفاسق الخبيث» أي الذي يقال له الفاسق الخبيث وهذا باب قلما يصار إليه في سعة الكلام. ومذهب يونس في مثله أن الفعل الذي قبل «أيّ» معلق عن العمل ، ويجيز التعليق في غير أفعال القلوب. ثم إن علقت قوله : (عَلَى الرَّحْمنِ) بـ (أَشَدَّ) كقولهم : «هو أشد على خصمه» فظاهر ، وإن علقته بالمصدر فذلك لا سبيل إليه عند النحويين لأن المصدر لا يعمل فيما قبله. فالوجه أن يقال : إنه بيان للمحذوف فكأنه سئل إن عتوّه على من؟ فقيل : على الرحمن. وكذا الكلام في (أَوْلى بِها صِلِيًّا) تعلق المجرور بأفعل من غير تأويل أو بـ (صِلِيًّا) على التأويل. صلى فلان النار يصلى صليا إذا احترق. أخبر أوّلا أنه يميز من كل فرقة ضالة من هو أضل ثم بين بقوله : (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا) أنه يطرحهم أي أهل الضلال البعيد في النار على الترتيب يقدم أولاهم بالعذاب فأولاهم ، ولا ريب أن الضال المضل يكون أولى بالتقدم من الضال ، وكذا الكافر المعاند بالنسبة إلى المقلد وإن كانوا جميعا مشتركين في شدة العتوّ. ويجوز أن يراد بالذين هم أولى المنتزعين كما هم كأنه قال : ثم لنحن أعلم بتصلية هؤلاء وأنهم أولى بالصلي لكون دركاتهم أسفل.