على أنه طلب حل بعضها بحيث يفهم عنه فهما جيدا ولم يطلب الفصاحة الكاملة. وقال أهل التحقيق : وذلك لأن حل العقدة بالكلية نصيب محمد صلىاللهعليهوسلم فكان أفصح العرب والعجم وقد قال تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء : ٣٤] فلما كان ذلك حقا ليتيم أبي طالب لا جرم ما دار حوله. ومن مطالب موسى قوله (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ) قال أهل الاشتقاق : الوزير من الوزر بالكسر لأنه يتحمل عن الملك أوزاره ومؤنة ، أو من الوزر بفتحتين وهو الملجأ لأن الملك يعتصم برأيه ويلجيء إليه أموره ، أو من الموازرة وهي المعاونة فيكون من الأزر والقوة ومنه قوله تعالى (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) أي ظهري لأنه محل القوة. قال الجوهري : آزرت فلانا أي عاونته ، والعامة تقول : وازرته. وعلى هذا فيكون القياس أزيرا بالهمز على ما حكي عن الأصمعي ووجه القلب حمل «فعيل على «مفاعل» لاتحاد معنييهما في نحو «عشير» و «جليس» و «صديق» وغيرها. وحمله على أخوته من نحو الموازرة ويوازر والاستعانة بالوزير وبحسن رأيه دأب الملوك العقلاء وقد استحسنه نبينا صلىاللهعليهوسلم فقال «إذا أراد الله بملك خيرا قيض له وزيرا صالحا إن نسي ذكره وإن نوى خيرا أعانه عليه ، وإن أراد شرا كفه» (١) وكان أنوشروان يقول : لا يستغني أجود السيوف عن الصقل ، ولا أكرم الدواب عن السوط ، ولا أعلم الملوك عن الوزير. وكفى بمرتبة الوزارة منقبة وفخرا وشرفا وذكرا أن النبي صلىاللهعليهوسلم المؤيد بالمعجزات الباهرة ابتهل إلى الله سبحانه في مقام القرب والمكالمة يطلبه منه ، فيجب على من أوتي هذه الرتبة أن يؤدي إلى الله حقها ولا يغتر بالدنيا وما فيها ، ويزرع في أرض الوزارة ما لم يندم عليه وقت حصاده. وقيل : إن موسى خاف على نفسه العجز عن القيام بذلك الأمر العظيم والخطب الجسيم فطلب المعين. والأظهر أنه رأى أن التعاون على الدين والتظاهر عليه مع خلوص النية وصفاء الطوية أبعد عن التهمة وأعون على الغرض ، ولهذا حكى عن عيسى أنه قال (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) [الصف : ١٤] وخوطب نبينا صلىاللهعليهوسلم بقوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنفال : ٦٤] وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال «إن لي في السماء وزيرين وفي الأرض وزيرين فاللذان في السماء جبرائيل وميكائيل واللذان في الأرض أبوبكر وعمر» (٢) ثم إن موسى طلب أن يكون ذلك الوزير من أهله أي من أقاربه لتكون الثقة به أكثر وليكون الشرف في بيته أوفر وإنه كان واثقا بأخيه هارون فأراد أن
__________________
(١) رواه أبو داود في كتاب الإمارة باب : ٤.
(٢) رواه الترمذي في كتاب المناقب باب : ١٦