يكون غير متناه. أو نقول : لا نهاية لنوره فلا غاية لظلمة الغافل عنه والمنكر له. أو نقول : أوضح الأشياء الوجود الواجب فإذا كان الشخص ذاهلا عنه كان مسلوب الاستعداد بالكلية فلا يكون إنسانا في الحقيقة ، فلا يتصور له عروج من عالم الطبيعة ، والعبارات في هذا المقام كثيرة والمعنى واحد يدركه من وفق له وخلق لأجله. ولما فرغ من أقاصيص عبدة الأصنام وبيان أحوال الأشقياء والسعداء سلّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بشرح أحوال الكفرة من قومه في ضمن نهي له عن الامتراء في سوء مغبتهم قائلا (فَلا تَكُ) حذف النون لكثرة الاستعمال (فِي مِرْيَةٍ) في شك (مِمَّا يَعْبُدُ) «ما» مصدرية أو موصولة أي من عبادة (هؤُلاءِ) أو من الذي يعبده هؤلاء المشركون والمراد النهي عن الشك في سوء عاقبة عبادتهم. ثم علل النهي مستأنفا فقال : (ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ) كالذي يعبده (آباؤُهُمْ) أو كعبادة آبائهم. والحاصل أنهم شبهوا بآبائهم في لزوم الجهل والتقليد. (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ) من الرزق والخيرات الدنيوية أو من إزالة العذر وإزاحة العلة بإرسال الرسول وإنزال الكتاب ، أو نصيبهم من العذاب كما وفينا آباؤهم أنصباءهم. وفي الكشاف أن (غَيْرَ مَنْقُوصٍ) حال من النصيب ليعلم أنه تام كامل إذ يجوز أن يوفي بعض الشيء كقولك وفيته شطر حقه. قلت : هي مغالطة لأن قول القائل : «وفيته شطر حقه» التوفية تعود إلى الشطر. فلو قيل : غير منقوص كان كالمكرر. وعاد السؤال. فالصواب أن يقال : إنه حال مؤكدة أو صفة تقوم مقام المصدر أي توفية نحو (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [البقرة : ٦٠] أي إفسادا. ثم أورد نظيرا لإنكارهم نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ) آمن به قوم وكفر به قوم آخرون كما اختلف في القرآن ، والغرض أن إنكار الحق عادة قديمة للخلق (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) هي أن رحمتي سبقت غضبي أو هي أن دار الجزاء الآخرة لا الدنيا أو هي أن هذه الأمة لا يعذبون بعذاب الاستئصال. (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) بين قوم موسى أو بين قومك بتمييز المحق من المبطل بسبب الإنجاء والإهلاك وهذه من جملة التسلية أيضا (وَإِنَّهُمْ) يعني قوم موسى أو قومك (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) من كتابه أو من كتابك أو من أمر المعاد أو القضاء أو الجزاء. ثم جمع الأولين والآخرين في حكم توفية الجزاء ثوابا أو عقابا فقال : (وَإِنَّ كُلًّا) التنوين فيه عوض عن المضاف إليه أي وإن كلهم يعني أن جميع المختلفين فيه. ومن قرأ بالتخفيف فعلى إعمال المخففة إذ لا يلزم من التخفيف إبطال العمل كما في «لم يكن» «ولم يك». ومن قرأ «لما» مخففا فاللام هي الداخلة في خبر «إن» و «ما» مزيدة للفصل بين لام «إن» وبين لام جواب القسم المقدر كما فصلوا بالألف بين النونات في قولهم «اضربنان». ويمكن أن يكون «ما»