تميلوا بالمحبة والهوى (إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) فقال المحققون : الركون المنهي عنه هو الرضا بما عليه الظلمة من الظلم وتحسين الطريقة وتزيينها عند غيرهم ومشاركتهم في شيء من تلك الأبواب ، فأما مداخلتهم لدفع ضرر واجتلاب منفعة عاجلة فغير داخلة في الركون. أقول : هذا من طريق المعاش والرخصة ، ومقتضى التقوى هو الاجتناب عنهم بالكلية (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) [الزمر : ٣٦] وفي قوله : (فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) إشارة إلى أن الظلمة أهل النار بل هم في النار أو كالنار (أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) [البقرة : ١٧٤] ومصاحبة النار توجب لا محالة مس النار. وقوله : (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) من تتمة الجزاء. وقال في الكشاف : الواو للحال (مِنْ أَوْلِياءَ) من أنصار أي لا يقدر على منعكم من عذاب الله إلا هو. (ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) ثم لا ينصركم هو أيضا. وفيه إقناط كلي. وفائدة «ثم» تبعيد النصرة من الظلم. قال أهل التحقيق : الركون الميل اليسير وقوله : (إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي الذين حدث منهم الظلم. فلم يقل «ولا تميلوا إلى الظالمين» ليدل على أن قليلا من الميل إلى من حدث منه شيء من الظلم يوجب هذا العقاب ، وإذا كان هذا حال من ركن إلى من ظلم فكيف يكون حال الظالم في نفسه؟ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم «من دعا الظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه» وقال سفيان : في جهنم واد لا يسكنه إلا القراء الزائرون للملوك. وعن محمد بن مسلمة : الذباب على العذرة أحسن من قارئ على باب هؤلاء. ولقد سئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في برية هل يسقى شربة ماء؟ فقال : لا. فقيل له : يموت. فقال : دعه يموت. ثم خص من أنواع الاستقامة إقامة الصلاة تنبيها على شرفها فقال : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ) قيل : تمسك بعض الخوارج بهذه الآية على أن الواجب من الصلاة ليس إلا الفجر والعشاء لأنهما طرفا النهار وهما الموصوفان بكونهما زلفا من الليل ، فإن ما لا يكون نهارا يكون ليلا. غاية ما في الباب أن هذا يقتضي عطف الصفة على الموصوف وهو كثير في كلامهم ، ولئن سلم وجوب صلاة أخرى إلا أن قوله : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) يشعر بأن إقامة الصلاة طرفي النهار كفارة لترك سائر الصلوات. وجمهور الأمة على بطلان هذا القول واستدلوا بالآية على وجوب الصلوات الخمس لأن طرفي النهار منصوب على الظرف لإضافتهما إلى الوقت فيكتسب المضاف حكم المضاف إليه كقولك «أتيته نصف النهار» والطرفان هما الغدوة وهي الفجر والعشية وفيها الظهر والعصر لأن ما بعد الزوال عشيّ (وَزُلَفاً) جمع زلفة كظلم وظلمة أي ساعات (مِنَ اللَّيْلِ) قريبة من آخر النهار من أزلفه إذا قربه وازدلف إليه. وقرىء (زُلَفاً) بسكون اللام نحو «بسرة» و «بسر». والزلف فيمن قرأ بضمتين نحو «بسر» و «بسر».