الطريق المنحرف إلى الصراط المستقيم إلى من اختص بالاستقامة بسبب أمر التكوين كالنبي صلىاللهعليهوسلم (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) يعني أن الأعمال الصالحة في الأوقات المعدودة تزيل ظلمات الأوقات المصروفة في قضاء الحوائج النفسانية الضرورية ، وذلك أن تعلق الروح النوري العلوي بالجسد الظلماني السفلي موجب لخسران الروح كقوله : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر : ١] إلا أن يتداركه أنوار العمل الصالح فيرقيه من حضيض البشرية إلى ذروة الروحانية بل إلى الوحدة الربانية ، فتندفع عنه ظلمة الجسد السفلي مثاله : إلقاء الحبة في الأرض فإنه من خسران الحبة إلا أن يتداركه الماء وسائر الأسباب فيربيها إلى أن تصير الحبة الواحدة إلى سبعمائة. وما زاد ذلك الذي ذكرنا من التدارك عظة للذاكرين الذين يريدون أن يذكروا الله في جميع الأحوال فإنهم إذا حافظوا على هذه الأوقات فكأنهم حافظوا على جميعها لأن الإنسان خلق ضعيفا ليس يقدر على صرف جميع الأوقات في محض العبودية والعبادة. (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ) صورة التحضيض وحقيقته السؤال ليجاب بأنه لم يكن كذلك لأنك فاعل مختار ، فعال لما تريد ، خلقت خلقا للإقرار وخلقت خلقا للإنكار ولا اعتراض لأحد عليك يؤيده قوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) طالبة للحق متوجهة إليه (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) منهم من يطلب الدنيا ، ومنهم من يطلب العقبى ، ومنهم من يطلب المولى وهم المشار إليهم بقوله : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ) أي لطلب الله (خَلَقَهُمْ) بحسن الاستعداد ولأن رحمته سبقت غضبه ، ولكن وقوع فريق في طريق القهر ضروري في الوجود وهو قوله : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) جرى به القلم للضرورة وما نثبت به فؤادك التثبيت منه والتشكيك منه ، بيده مفاتيح أبواب اللطف والقهر (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) لطلب الحق ووجدانه (اعْمَلُوا) في طلب المقاصد من باب القهر (إِنَّا عامِلُونَ) في طلب الحق من باب لطفه (وَانْتَظِرُوا) نتائج أعمالكم (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) ثمرات أعمالنا (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي ما غاب عنكم مما أودع من لطفه في سموات القلوب ومن قهره في أرض النفوس (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ) أمر أهل السعادة والشقاء ومظاهر اللطف والقهر (فَاعْبُدْهُ) أيها الطالب للحق فإنك مظهر اللطف (وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) في الطلب لا على طلبك فإنك إن طلبته بك لم تجده (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ) في الأزل (عَمَّا تَعْمَلُونَ) إلى الأبد والله حسبي.