لا كفاية فيهما ولا منفعة ونحن جماعة نكفي مهماته ونقوم بمصالحه (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أرادوا ضلالا خاصا وهو البعد عن طريق الصلاح وحسن المعاشرة مع الأولاد ، ولم يعلموا أن المحبة أمر يتعلق بالقلب وليس لله فيه تكليف ، ولعل يعقوب تفرس في يوسف ما أوجب اختصاصه بمزيد البر. ومن جملة أقوالهم أنهم قالوا لما تشاوروا في أمره (اقْتُلُوا يُوسُفَ) قيل : الآمر بالقتل شمعون أو دان ورضي به الباقون فجعلوا جميعا آمرين. والظاهر أنه قال بعضهم بذلك بدليل أنه لم يقع القتل ولقولهم (أَوِ اطْرَحُوهُ) فكان بعضهم أشار إلى القتل وبعضهم إلى الطرح ومهما صدر أمر من بعض القوم صح إسناده إليهم كقوله (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً) [البقرة : ٧٢] وانتصب (أَرْضاً) على الظرف كالظروف المبهمة أي أرضا مجهولة بعيدة عن العمارة (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) تخلص محبته لكم سليمة عن التنازل فيها وكان ذكر الوجه تصويرا لإقباله عليهم بالكلية ، ويجوز أن يراد بالوجه ذاته أو المراد يفرغ لكم من الشغل بيوسف (وَتَكُونُوا) مجزوم لأنه معطوف على جواب الأمر (مِنْ بَعْدِهِ) من بعد قتله أو إطراحه أو من بعد يوسف إذا قتل أو غرب (قَوْماً صالِحِينَ) تائبين إلى الله أو إلى أبيه لعذر تمهدونه مما جنيتم عليه ، أو المراد صلاح دنياهم وانتظام أمورهم وتفرغهم لمهماتهم بعد يوسف بفراغ البال (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) هو يهوذا وكان أحسنهم فيه رأيا وأدبا وهو الذي قال : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) [يوسف : ٨٠] (لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ) لأن القتل عظيم ولا سيما قتل الأخ وخاصة إذا كان القاتل والمقتول من أولاد الأنبياء (وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ) سمى البئر جبا لأنها قطعت قطعا ولم يحصل فيها شيء سوى القطع للأرض ، والغيابة غور البئر وما غاب منها عن عين الناظر وأظلم من أسفلها. ومن قرأ على الجمع فلأن للجب أقطارا ونواحي (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) أي الرفقة السائرة قال ابن عباس : أي المارة ، والالتقاط تناول الشيء من الطريق ونحوه يستعمل في الإنسان وغيره ومنه اللقيط للمنبوذ (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) إن لم يكن من فعل هذا الأمر بد فهذا هو الرأي. ثم إن يعقوب كان خائفا على يوسف من كيدهم وكان يظهر أمارات ذلك على صحائف أعماله وأقواله فلذلك قالوا : (ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ) ما وجد منا في بابه سوى النصح والإشفاق على الإطلاق (أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) من قرأ بالجزم فمن الرتعة كالأمنة وهي الخصب والسعة ، ومن قرأ بالكسر فعلى حذف الياء من يرتعي مستعارا من ارتعاء الإبل والماشية. واللعب ترك ما ينفع إلى ما لا ينفع. فمن قرأ بالياء فلا إشكال لأن الصبي لا تكليف عليه ، ومن قرأ بالنون قال كان لعبهم الاستباق والانتضال بدليل قوله (إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ) سمي لعبا لأنه في صورته ، أو