يحفظها وإنما يحفظها القلب لكثافته ، ولذلك كان سليمان أقضى من داود. قوله (مَنْطِقَ الطَّيْرِ) يعني الرموز والإشارات التي يحفظها بلسان الحال أرباب الأحوال الطائرين في سماء سناء الفناء. وقيل : أراد الخواطر الملكية الروحانية. قوله (مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ) أي من الصفات الشيطانية والإنسانية والملكية (فَهُمْ يُوزَعُونَ) على طبيعتهم بالشريعة وادي النمل هوى النفس الحريصة على الدنيا وشهواتها (قالَتْ نَمْلَةٌ) هي النفس اللوامة يا أيها النمل هي الصفات النفسانية (ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) محالكم المختلفة وهي الحواس الخمس (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أنهم على الحق وأنتم على الباطل لأن الشمس لاحس عندها من نورها ولا من الظلمة التي تزيلها (نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَ) بتسخير جنودي لي وعلى والديّ وهما الروح والجسد. أنعم على الروح بإفاضة الفيوض ، وعلى الجسد باستعماله في أركان الشريعة. وفي قوله (بِنَبَإٍ يَقِينٍ) إشارة الى أن من أدب المخبر أن لا يخبر إلا عن يقين وبصيرة ولا سيما عند الملوك. وفي قول سليمان (سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ) إشارة إلى أن خبر الواحد وإن زعم اليقين لا يعوّل عليه إلا بأمارات أخر. (كِتابٌ كَرِيمٌ) كأنها عرفت أنها بكرامته تهتدي إلى حضرة الكريم : إن ملوك الصفات الربانية (إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً) الشخص الإنساني (أَفْسَدُوها) بإفساد الطبيعة الحيوانية (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها) وهم النفس الأمارة وصفاتها (أَذِلَّةً) بسطوات التجلي (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) مع الأنبياء والأولياء. وفي قوله (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها) إشارة إلى أن سليمان كان واقفا على أن في قومه من هو أهل لهذه الكرامة وكرامات الأولياء من قوة إعجاز الأنبياء (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) فيه دليل على أن سليمان أراد أن ينكحها وإلا لم يجوّز النظر إلى ساقيها. (وَأَسْلَمْتُ) نفسي للنكاح (مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ) وفي الله.
تأويل آخر : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) هم أهل العشق الطيارة في فضاء سماء القدس وجوّ عالم الإنس. والهدهد الرجل العلمي الذي عول على فكره وإعمال قريحته في استنباط خبايا الأسرار وكوامن الأستار. (عَذاباً شَدِيداً) بالرياضة والمجاهدة. (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) بسكين مخالفات الإرادة. سبأ مدينة الاختلاط والإنس بالإنس والمرأة الدنيا وبهجتها ، وعرشها العظيم حب الجاه والمناصب يسجدون لشمس عالم الطبيعة وهو الهوى ، والهدية عرض الدنيا وزينتها ، والإتيان بالعرش قبل إتيانهم هو إخراج حب الجاه من الباطن حتى تنقاد الأعضاء والجوارح بالكلية لاشتغال العبودية. آخر ما يخرج من رؤوس الصديقين حب الجاه. والعفريت الرياضة الشديدة والذي عنده علم من الكتاب هو الجذبة التي توازي عمل الثقلين ، وتنكير العرش تغيير حب الجاه للهوى بحبه للحق ، والقصر قصر التصرف في