مبهوتين بحيث لا يبصرون شيئا فلا جرم ما رأوه. وقيل : الضمير للأصنام أي كانوا أحياء مهتدين لشاهدوا العذاب. وقيل : «لو» للتمني أي تمنوا لو كانوا مهتدين. ثم بكتهم بالاحتجاج عليهم بإرسال الرسل وإزاحة العلل. ومعنى (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ) أن أخبار المرسلين والمرسل إليهم صارت كالعمى عليهم جميعا لا يهتدون إليهم فهم لا يتساءلون كما يسأل بعض الناس بعضا في المشكلات لأنهم متساوية الأقدام في العجز عن الجواب ، وإذا كانت الأنبياء لهول ذلك اليوم يتلعثمون في الجواب عن مثل هذا السؤال كما قال سبحانه (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا) [المائدة : ١٠٩] فما ظنك بضلال أممهم؟! قال القاضي : الآية تدل على بطلان قول المجبرة ، لأن فعلهم لو كان خلقا من الله تعالى وجب وقوعه بالقدرة والإرادة ولما عميت عليهم الأنباء ولقالوا : إنما كذبنا الرسل من جهة خلقك فينا تكذيبهم ومن جهة القدرة الموجبة لذلك. وكذا القول فيما تقدّم لأن الشيطان كان له أن يقول : إنما أغويت لخلقك فيّ الغواية ، وإنما قبل من دعوته لمثل ذلك لتكون الحجة لهم على الله قوية والعذر ظاهرا. وعارضته الأشاعرة بالعلم والداعي. والذي اعتمد عليه القاضي في دفع هذا المشكل المعضل في كتبه الكلامية قوله خطأ قول من يقول إنه يمكن وخطأ قول من يقول إنه لا يمكن فالواجب السكوت. وزيفه الأشعري بأن الكافر لو أورد هذا السؤال على ربه لما كان لربه عنه جواب إلا السكوت فتكون حجة الكافر قوية وعذره ظاهرا. ولقائل أن يقول : السكوت عن جواب الكافر جواب كما قيل : جواب الأحمق السكوت. وحين فرغ من توبيخ الكفار وتهديدهم أتبعه ذكر التائبين وأنهم من المفلحين. و «عسى» من الكريم تحقيق أو الترجي عائد إلى التائب. ثم إن القوم كانوا يذكرون شبهة أخرى وهي قولهم (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] فأجاب الله تعالى عنها بقوله (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ) لأنه المالك المطلق المنزه عن النفع والضر فله أن يخص من شاء بما شاء. وعلى مذهب المعتزلة هو حكيم فلا يفعل إلا الحكمة والخير. وقوله (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) بيان لقوله (وَيَخْتارُ) والخيرة من التخير كالطيرة من التطير في أنه اسم مستعمل بمعنى المصدر وهو التخير وهو بمعنى المتخير كقولهم «محمد خيرة الله من خلقه». وقد مر في الوقف أن بعضهم يقف على (ما يَشاءُ) ثم يقول (وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) قال أبو القاسم الأنصاري : يعلم من هذا متعلق المعتزلة في إيجاب الصلاح والأصلح عليه ، وأي صلاح في تكليف من علم أنه لا يؤمن بالله ولو لم يكلفه لاستحق الجنة والنعيم من فضل الله. فإن قيل : إنما كلفه ليستوجب على الله ما هو الأفضل لأن المستحق أفضل من المتفضل به قلنا : إذا علم أن ذلك الأفضل لا يحصل فتوريطه للعقاب الأبدي لا يكون رعاية للمصلحة. ثم قولهم «المستحق خير من